بقلم/ عبدالباري عطوان
موزمبيق تتحدث وتكشف عن معلومات تعزز وقوف جهات خارجية خلف تفجير مرفأ بيروت الكارثي.. التغيير قادم الى لبنان ولكن كيف؟ ولماذا يحتاج “حزب الله” الى نقد ذاتي ومراجعة شاملة في اسرع وقت ممكن؟ ولماذا لا نتفائل كثيرا من نتائج مؤتمر باريس وملياراته؟


الوضع الراهن في لبنان، أي حالة الفوضى السياسية، واشتعال فتيل الاضطرابات الداخلية بنزول متظاهرين الى الشوارع، وتعدد الاستقالات، من الحكومة، وتصاعد اعداد ضحايا الكارثة بين شهداء وجرحى، وتفاقم الجوع والكورونا والانهيار الاقتصادي، هذا الوضع لا يمكن ان يستمر، ويجب ان يتغير جذريا، ولكن السؤال هو حول كيفية حدوث هذا التغيير، والجهات التي يجب ان تقوده، ومدى سرعته، والنتائج المترتبة عليه؟

هناك ثلاث جهات تتصارع حول مسألة التغيير هذه تتفق على الهدف وتختلف على الوسيلة:
الأولى: تريد تغييرا بالقوة المسلحة وعبر تدخل خارجي، ويفضل ان يكون أمريكيا إسرائيليا فرنسيا بالتعاون مع طابور خامس لبناني، يجهز نفسه لهذه المهمة في الوقت الراهن.
الثانية: قوى تؤمن بالتمسك بالصيغة الديمقراطية والحفاظ على هوية لبنان التعددية السياسية في اطار برلمان جديد يأتي بطبقة سياسية شابة جديدة تطيح بالطبقة القديمة الفاسدة.

الثالثة: طبقة سياسية تقليدية تريد تغييرا شكليا يحافظ على المحاصصة السياسية الطائفية الحالية، مع الاقدام على إصلاحات طفيفة تقلص من حجم الفساد، وتقترح حكومة وحدة وطنية انتقالية، لامتصاص حالة الاحتقان الحالية، وتقديم بعض المسؤولين في المرفأ للمحاكمة ككبش فداء.
***
السيد حسان دياب، رئيس الوزراء، اقترح انتخابات نيابية مبكرة في غضون شهرين تأتي بطبقة سياسية وبرلمان جديد كخطوة رئيسية على طريق حل الازمة، وإعادة بعض الثقة الغائبة للنظام السياسي، ولكن هناك جهات سارعت لتقويض هذا الحل بذريعة ضرورة الاتيان، او إقرار قانون انتخابي جديد، تتم على أساسه انتخابات برلمانية، مع ضرورة اجراء تحقيق جدي ومحاسبة جميع المتورطين في الإهمال، وسوء الإدارة، ويذهب بعض الذين يؤيدون عرقلة هذا المشروع الى المطالبة بتحقيق دولي لإظهار الحقائق والتشكيك في الوقت نفسه بالمؤسسات الوطنية اللبنانية، الأمنية والسياسية للقيام بهذه المهمة، رهانا على النسيان وعنصر الوقت، وتعود دار ابي سفيان على حالها.

في تقديرنا ان جميع هذه الافتراضات، والتحركات، التي تريد اسقاط حكومة السيد دياب الحالية، باعتبارها حكومة “حزب الله” في نظرهم، ترتكز على أرضية رفض فرضية وقوف قوى خارجية خلف الكارثة التي ضربت لبنان، واحداث فراغ سياسي، ودستوري، يقود البلاد الى فوضى وربما حرب أهلية في نهاية المطاف.

استبعاد العنصر الخارجي في التفجير يأتي في اطار مخطط لشيطنة المقاومة اللبنانية، وتوظيفه لاستدعاء تدخلات خارجية عسكرية لنزع سلاح “حزب الله” من خلال الترويج للمقولة القديمة المتجددة، التي تقول بأنه بات دولة داخل دولة.

الإسرائيليون الجهة المتهمة الرئيسية بالوقوف خلف هذا التفجير، وهم يعرفون كل صغيرة وكبيرة على ارض لبنان، من خلال قادة أحزاب، وأجهزة امنية، تابعة لها ولا تعتبرها عدوا، وجرى اكتشاف العديد من كاميرات الرصد، وأجهزة التنصت الإسرائيلية في اكثر من مكان على الأرض اللبنانية في السنوات الماضية، علاوة على طائرات مسيرة “درونز” تحلق في الأجواء اللبنانية بصفة يومية ترصد كل صغيرة وكبيرة، ولا نعتقد انهم لا يعلمون بوجود 2750 طن من مادة نترات الامونيوم شديدة الانفجار مخزنة منذ 7 سنوات في مستودعات في مرفأ لبنان، هذا اذا لم يكونوا قد اعترضوها بشكل متعمد، وتخزينها للوقت المناسب.

قد يتهمنا البعض بالإيمان بنظرية المؤامرة، نحن الذين واجهنا الاتهامات نفسها عندما تصدينا لأكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية، واكدنا ان معظم المفتشين الدوليين عن هذه الأسلحة عملاء أمريكيين، واستخدمت لاحقا كذريعة لاحتلال بغداد، لا يضيرنا هذا الاتهام، وهناك تقارير اخبارية لا ترصد وتوثق تهديدات قادة الجيش الإسرائيلي بتدمير لبنان وبناه التحتية، وخاصة ميناء بيروت الذي يقولون انه يستخدم لتهريب وتخزين أسلحة لحزب الله، وانما أيضا امتلاك دولة الاحتلال أسلحة حديثة من بينها قنابل الليزر، قادرة على اشعال وتفجير مخزون الامونيوم في المرفأ، وأخرى غير معروفة حتى الآن.

اليوم الاحد بثت محطة “سي ان ان” الامريكية مقابلة مع المتحدث باسم شركة “موزمبيق” لصناعة المتفجرات التي كان من المفترض ان تتلقى هذه الشحنة من “الامونيوم” “على متن سفينة شحن مولدوفية كانت تنقلها من جورجيا، كشف فيه “انها الشحنة الوحيدة التي لم تصل الى محطتها الأخيرة، وجرى اعتراضها في ظروف غريبة، لأسباب غير معروفة، وهي ليست شحنة صغيرة ضاعت في البريد”، واكد انها شحنة ضخمة ومادة البارود اكثر امانا منها، وهناك دول تستهلك ملايين الاطنان من هذه المادة ولا تقع فيها مثل هذه التفجيرات” على حد قوله.

الرئيس ترامب كان اول من فضح طبيعة الانفجار عندما قال انه نتيجة هجوم كبير، وان جنرالاته ابلغوه بذلك، ولا نعتقد ان الرئيس ترامب الذي نشك انه يعرف موقع لبنان او مولدوفيا التي ترفع السفينة علمها، يتحدث من فراغ، وانما استنادا على ما تم تزويده من معلومات من اجهزته الامنية بحكم موقعه.

التعاطف الكاذب للإسرائيليين مع كارثة مرفأ بيروت وضحاياها، واستعدادهم لإرسال مساعدات يذكرنا بالمقولة الشهيرة “كاد المريب ان يقول خذوني”، او “المجرم يحوم في مسرح الجريمة”، فمتى كان هؤلاء يهتمون بالشعب اللبناني ويحرصون على حقن دمائه، وهم الذين ارتكبوا مجازر في حقه في قانا وبيروت، ودمروا جنوب لبنان فوق رؤوس اهله في حرب عام 2006.

نخلص من كل ما تقدم ومن خلال متابعتنا للتطورات الحالية على الأرض اللبنانية الى القول بأن هناك سيناريو مرسوم بإحكام لاستغلال هذه الكارثة وتوظيفها لهدف واحد وهو جر “حزب الله” الى حرب إقليمية تبدأ بفراغ وفوضى تقود الى صدامات أهلية في لبنان، فليس صدفة ان تتوجه أصابع الاتهام في قنوات لبنانية وسعودية منذ اللحظة الأولى اليه، واتهامه بالوقوف خلف الكارثة وامتلاكه مخازن أسلحة في مرفأ بيروت.
***
يصعب علينا ان نرى دولارا واحدا يذهب الى لبنان دون ان يكون مشروطا بتسليم “حزب الله” المصنف على قائمة الإرهاب، لجميع صواريخه واسلحته، ومؤتمر باريس للدول المانحة الذي دعا اليه الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون قد يكون مصيره، والمليارات التي سيرصدها، مثل مصير مؤتمر شرم الشيخ الذي رصد 5 مليارات دولار لإعادة اعمار قطاع غزة بعد عدوان صيف 2014، ولم يصل منها دولارا واحدا، طالما ان حركة المقاومة فيه ترفض التنازل عن أسلحتها، ونأمل ان نكون مخطئين.

“حزب الله” قدم الكثير من التنازلات للحفاظ على السلم الأهلي في لبنان، وعض على النواجز لمنع الحرب الاهلية، واضطر للصمت، بل للتعاون مكرها مع بعض رموز الفساد، وهو ليس الفاسد، حرصا على استقرار لبنان وامنه، وهو موقف لم يحظى بالتقدير من قبل الطرف الآخر بل اسيء فهمه، ونعتقد ان الوقت قد حان لنقد ذاتي ومراجعة شاملة، فالسكين تقترب من العظم والأيام المقبلة حافلة بالمخاطر.
إسرائيل صاحبة الجيش الذي لا يقهر لم تستطع هزيمة “الحزب” ونزع سلاحه، وتجرعت كأس الهزيمة مرتين، الأولى عام 2000، والثانية عام 2006، ولا نعتقد ان حظوظ المؤامرة الحالية ستكون افضل.. والأيام بيننا.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس