بقلم/ أحمد المالكي
طالما وأن دور وزارة الصناعة والتجارة يظل غائبا باستمرار فيما يتعلق بضبط الأسعار والسوق وتنظيم قطاع الخدمات ، فلابد من وجود جهة رسمية تعنى تحديداً بقضايا التموين والتجارة والسلع الاستهلاكية والغذاء والقطاعات الخدماتية عمومًاً إدارةً وتنظيماً وضبطاً..!، فمن ذا الذي يكبح جماح طمع التجار ومحلات بيع التجزئة الذين لا يرقبون في الله إلاً ولا ذمة، وغيرهم من أصحاب المصالح الذين يقدمون بعض الخدمات الأخرى المرتبطة بالحياة المعيشية للمجتمع بشكل عام ، بعيداً عن الضوابط الرسمية الشرعية والقانونية التي تحدد نوع وطبيعة الخدمة ، وقيمة السلعة المقدمة للمواطنين ، وتحاسب المخالفين والمتجاوزين.

..النقاش الذي دار بيني وبين صاحب الطاحون جعلني أندهش !! عندما طلب مني ألفي ريال مقابل طحن كيس القمح الذي اشتريته من التاجر حبوب خام بـ 12 ألف ريال ، زائداً 2000 ريال قيمة الطحين ، و 2000 ريال قيمة توصيل كيس القمح ذهابا للطاحون وإيابا للبيت ، صار الإجمالي 16 ألف ريال وقد يقفز المبلغ الى 17 و 18 ألف ريال أو أكثر إذا ابتعدت المسافة خاصةً إلى الأرياف والمناطق والقرى النائية البعيدة في المحافظات الأخرى. ذلك كله أصابني بالذهول ، فهذا إجمالا مبلغ خيالي جداً فوق طاقة المواطن البسيط ، الذي لا تقف متطلباته وأعباؤه عند كيس القمح فقط ، والذي يحتاج إلى فواتير إضافية حتى يصل الطحين إلى المعجنة والتنور.!! إضافةً إلى ما يعانيه المواطنون من ويلات غلاء المعيشة والخدمات عموما ، والتي ضاعفها العدوان والحصار الغاشم ، ولكن هذا لايعني أن يُترك الحبل على الغارب دون أن تقوم الجهات الحكومية المعنية بالدور المنوط بها وتقدم خدماتها للمواطنين في جوانب ضبط السوق والأسعار ، وكل ما يتعلق بالقضايا التموينية والاستهلاكية والخدمات المتبادلة بين المواطنين والتجار والقطاع الخاص ، فالمسألة يا وزارة الصناعة والتجارة ويا أمانة العاصمة ويا حكومتنا الرشيدة ، لا تتوقف عند تحديد سعر كيس القمح مع كبار الموردين وتنتهي المسألة عند هذا الحد فقط ، فالمواطن يتحمل في الواقع أعباء إضافية فوق طاقته وقدرته المالية و الشرائية لأنها تتجاوز الفواتير التي يفرضها التاجر وصاحب ( الرحا) ، بل ستجدون أن هناك (طواحين أخرى) وفواتير تجر بعضها البعض كلها تعمل على طحن المواطن البسيط بما فيهم الموظفين المساكين الذين قطعت رواتبهم ، وشرائح المستضعفين الذين لا يملكون وظائفا أو أعمالاً يحصلون من خلالها على مداخيل ثابتة ، وغيرهم من شرائح المجتمع ذات الدخول المتدنية ، وهم الذين يمثلون أكثر من 80 % من إجمالي سكان الجمهورية اليمنية..

..عندما سألت صاحب الطاحونة !، لماذا تفرض ألفي ريال على الكيس القمح الواحد؟ هذا ظلم ولا يجوز !!بينما كنا ندفع 500 إلى 800 إلى 1000 ريال كسقف أعلى وخلال سنوات العدوان!! فأجابني..إسألوا مؤسسة الكهرباء ، وأخرج لي فاتورة بأكثر من 200 ألف ريال لأحد الشهور الأخيرة، وقال إنه يستغرق 2000 كيلو من الكهرباء شهريا للطاحون !! فإذا كان سعر الكيلو 200 ريال فرضا فسيكون ناتج المبلغ الذي يدفعه للمحطة التي تزوده بالكهرباء 400 ألف ريال في الشهر طبقا للآلة الحاسبة فهل هذا معقول يا مؤسسة و طواحين الكهرباء !!؟
..إذاً المسألة تحتاج في هذه الجزئية إلى نزول وإطلاع من أجل ضبط أسعار الكهرباء ، فهي أيضا تمثل عبئا وطاحونة أخرى على كاهل المواطنين والفقراء تحديدا..ً!!

لن استغرق في العمليات الحسابية ، كم يطحن صاحب الطاحون من أكياس في الأسبوع أو الشهر ، وكم يجب أن يتقاضى مقابل طحين كيس واحد من القمح؟، وسأترك ذلك للمحاسبين والمختصين والمعنيين ، لدراسة هذا الجانب وكل مايتعلق بالسوق والأسعار وما يترتب عليها من فواتير إضافية تبتلعها رحا الطواحين المختلفة والمتعددة. ابتداءً من طواحين تجار الجملة والتجزئة ، مروراً بهوامير وطواحين المشتقات النفطية والغاز والسوق السوداء ، بالإضافة إلى طاحونة الجزارين والمؤجرين وأفران الخبز….مروراً بطاحونة النقل والمواصلات ، وطواحين تجار وشركات الأدوية والمستشفيات الخاصة وطواحين الزبادي والسمن والزبدة والبيض والدجاج وغيرها من الطواحين ، والمصالح المتشابكة والمترابطة ، فكل طاحونة تلقي بالمسئولية على الطاحونة الأخرى من الأدنى إلى الأعلى ، ولا تنتهي بصاحب طاحونة القمح ، وجميعها تحتاج إلى عملية ضابطة واحدة وإشراف ومتابعة مستمرة من قبل الجهات المعنية ، وبما يراعي ظروف الناس وواقع السوق سواء في هذه الظروف المعيشية الصعبة التي تفرضها قوى العدوان ومرتزقتهم طيلة ست سنوات ، أو في الظروف العادية .

فهناك مسئوليات على الدولة يجب أن تقوم بها تجاه الشعب ، ومن باب مسئولية المغرم وليس المغنم كما اعتاد الناس عليه خلال العهود والعقود السابقة ، وهو ما نلمسه من توجه صادق لقائد الثورة ورئاسة الدولة والمخلصين الصادقين في هذا البلد وكما قال : الرئيس الشهيد الصماد سلام الله عليه في مقولته الشهيرة نريد (دولة للشعب وليس شعباً للدولة ) وهذا ما نحتاجه بالفعل في ظل ثورة الـ21 من سبتمبر و هذه القيادة القرآنية الراشدة تحت راية القائد العلم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي ، دولة العدل والمواطنة المتساوية والحرية المنضبطة والازدهار والعيش الكريم ، وبما يضاهي تضحيات الشهداء والجرحى والأسرى والمفقودين والمجاهدين في الجبهات ضد قوى البغي و الهيمنة والاستكبار العالمية.

وكما قال : الرئيس مهدي المشاط في كلمته الأخيرة مع هيئة الفساد والذي أشار فيها إلى أن الفساد له أوجه متعددة وأن كل تصرف يخالف الشرع والقانون ، والعقل والواقع والمنطق يعتبر فساداً. وأظن أن موضوعنا يشمل التعبير الذي يعنيه الرئيس المشاط. الفساد لا يقتصر على الوزارات والمؤسسات الرسمية بل يمتد ليطال المنافع والخدمات والسلع التي يتبادلها المجتمع تجاراً ومواطنين ولا بد أن تكون مرتبطة بمؤسسات الدولة ارتباطاً مقونناً ومنضبطاً، لأن هناك بالفعل فسادا يمارس بين المواطنين خارج إطار الدولة أبو 1000 وأبو 2000 وأبو 500 وأبو 100ريال ويجب إيقافه

ولذلك أكرر ما بدأته في رأس هذا الموضوع ، طالما ووزارة الصناعة والتجارة ليس بمقدورها ضبط المسألة ، ويقتصر دورها على التصريحات الإعلامية وإصدار القرارات والتوجيهات والتعليمات دون القيام بالعمل على تنفيذها ، إضافة إلى تعدد وتشعب اختصاصاتها ومهامها ، فأقترح إنشاء هيئة خاصة بتنظيم وإدارة عمليات التموين وضبط الأسعار والخدمات تتبع رئاسة الجمهورية ، يتم تحديد مهامها واختصاصاتها وأدوارها وفقا لرؤية ودراسة واقعية وعملية للسوق المحلية والاستهلاكية سواء كانت سلعا استهلاكية أو خدماتية عامة ، وبشكل يكون مستمراً ودائما وبما يتوافق مع الإمكانيات الدنيا للمواطنين ، كون حياة الناس المعيشية عبارة عن شبكة من المصالح والخدمات والسلع التي يتبادلها المجتمع فيما بينة البين تجاراً وقطاع خاص وأصحاب مشاريع ومصالح أو مواطنين مستهلكين لكل ذلك، إضافة إلى ما تقدمه الحكومة من خدمات ، كلها تحتاج إلى عملية إدارة وإشراف ومتابعة مستمرة وضبط من قبل الدولة حتى ينضبط السوق والمصالح مع إمكانيات المجتمع والناس ولا تتجاوزها ، في إطار منظومة واحدة تحكم الفاسدين والجشعين وتضبط المتجاوزين .موقنين بالنصر المبين الذي نراه قريبا بلا شك يلوح في الأفق.

حول الموقع

سام برس