بقلم/خليل المعلمي

بضعة أيام وتحل علينا ذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وبهذه المناسبة الجليلة والغالية، على المسلمين جميعاً استشعار هذه المناسبة التي تمثل نقطة تحول في تاريخ البشرية، فبميلاد خاتم الأنبياء والمرسلين "نبي الإنسانية" ظهر النور على الأرض واختفت مظاهر الظلم والجاهلية ويحق لنا جميعا كمسلمين والإنسانية جمعاء النظر إلى هذه اليوم كيوم للخلاص من قيود العبودية والجهل والظلام، فرسالة آخر الأنبياء جاءت شاملة كاملة لكل نواحي الحياة وجعلها الله رسالة للعالمين لإزالة الظلم والطغيان، وإحلال العدالة والمساواة ونصر المظلومين عبر شريعة الله السمحة، وكذا احقاق الحق وإبطال الباطل وإقامة الحياة وبناء الحضارة وتحقيق التنمية.

ونحن المسلمون في كل عام تحل علينا هذه المناسبة وبدلاً من الاتجاه لتحقيق هذه الأهداف، نظل نتجادل ونصرف أوقاتنا في النقاش والمماحكات، ويصل بنا الأمر إلى التخوين والتكفير والاتهام بالعمالة والخيانة حول مسألة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ومشروعيتها، ويحتدم الخلاف بين مختلف الفرق والجماعات والطوائف الدينية الإسلامية ويصل إلى بعض الأحزاب السياسية أيضاً، وتقوم بتغذيتها الفتاوى والأحقاد والعصبيات والجهل، ويصل في أحيان كثيرة إلى الاقتتال والتكفير، وهي مسألة خلافية بسيطة لا تستدعي ذلك الجدال وذاك الخصام، فالمستفيد من كل ذلك هم أعداء الأمتين العربية والإسلامية التي تجد في هذه الخلافات فرصة في إذكاء الخلافات والنعرات بين المسلمين، للتمكن من تعطيل قدراتهم، والسيطرة على مقدراتهم، وبالتالي نهب ثرواتهم.

أما بالنسبة لمسألة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فهي مسألة خلافية بسيطة، بل وبسيطة جداً لا تحتمل هذه الضجة الكبيرة وهذا الصياح من كل الأطراف، فالاحتفال بهذه المناسبة ليس حراماً، وكذلك ليس هناك من أثم أو جرم على من ترك الاحتفال أو لم يقم بذلك، ذلك أن أي أعمال يقوم بها المسلم لابد أن تكون نيته حاضرة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل أمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه."..

وقد تعددت الآراء والمناقشات حول ذلك، فأصبح هناك رأيان رئيسيان، يعتبر الأول أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة ابتدعها الخلفاء الفاطميين أثناء حكمهم لمناطق مصر والشام، ويستدلون على ذلك أن الاحتفال لم يتم في زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كما أن الصحابة والتابعين لم يحتفلوا أيضاً في زمن الخلفاء الراشدين، وفي زمن الخلافتين الأموية والعباسية، بل كان الرسول وسيرته حاضرة في حياتهم وفي أعمالهم، وكان لهم الغلبة في ذلك الزمن..

واستمر ذلك الأمر حتى زمن الفاطميين، ولغرض سياسي قرر أحد الخلفاء الفاطميين في مصر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لتعزيز سلطته من أجل الكسب السياسي، ومنذ ذلك الحين ورثت الأمة هذا الاحتفال بطرق متعددة ومختلفة ومتشعبة، غلب على البعض منه البساطة، وعلى الآخر الغلو والتشدد.

أما الرأي الثاني فيرى أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يأتي ضمن تعظيم وتوقير الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وضمن الاعتزاز والافتخار برسول الإنسانية، ونشر الرسائل المتعددة إلى العالم فحواها أن الأمة الإسلامية لا تزال متمسكة بدينها وبنبيها، ورداً على أي إساءات يقوم بنشرها أعداء الأمة من صور كاريكاتورية وغيرها.

وبالتالي تختلف طرق الاحتفال بهذه المناسبة من طائفة إلى أخرى ومن جماعة إلى أخرى، فهناك الاحتفال بالبسيط الذي يقام بإقامة الندوات والمحاضرات في المساجد، وتسليط الضوء على أحلك الظروف التي مر بها النبي الكريم لتبليغ الرسالة التي كلفه بها الله سبحانه وتعالى، وكذا لترسيخ مفاهيم الدين الحنيف، وهناك الاحتفال الفخم والكبير بداية من تزيين الشوارع والمباني والساحات بالأنوار وتعليق الخرق الخضراء واللافتات التي تعبر عن المناسبة من شعارات وتهاني وتبريكات على مدى أيام، ومن ثم الاحتشاد يوم الذكرى وهو الثاني عشر من ربيع الأول في ميدان كبير والاستماع للخطابات والمواعظ.

ومن بين ذلك الرأيان الرئيسيان هناك عدد من الآراء المعتدلة والتي تقول بأن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف لا يجب أن يكون بتلك الفخامة والخسارة التي يتم صرفها، خاصة أن الأمة تمر بأزمة مالية واقتصادية واجتماعية، وإنما يفضل توجيه تلك الأموال لمعالجة هذه الأزمة، دون اللجوء إلى المنظمات الدولية لطلب المساعدة، والسعي لتوحيد الرؤى والأفكار للولوج إلى حضارة العصر وترك التفاهات والمشاحنات والمؤامرات والاصطياد في الماء العكر وتحقيق الرفاهية والتطور للإنسان العربي، ويكفي احتفالا بالرسول الكريم هو اقتفاء أثره والعمل بأوامره واجتناب ما نهانا عنه ما حيينا وما عشنا على هذه الحياة الدنيا.

وقد أسرني أحد الأصدقاء بأنه كان قد قرر الاحتفال هذا العام بالطريقة التي يتم فيها التزيين والتعليق والاحتشاد، فعقد اجتماعاً أسرياً لوضع خطة لذلك، وتم توزيع الأدوار وتم إقرار الميزانية الخاصة بذلك، فالأمر يحتاج إلى شراء خرق خضراء، وقناديل خضراء، وتعليق لافتة فيها تهنئة خاصة بالمولد النبوي الشريف، ورش بوابة المنزل برنج يكون لونه أخضر، وبعد عدة اجتماعات وجد أن ذلك يحتاج إلى مبلغ يقدر بمائة ألف ريال.

وفي اجتماع تالي تم إقرار المبلغ، وبدأ البحث عن التمويل، خاصة أنه مثل بقية الموظفين قد انقطعت رواتبهم منذ أربعة أعوام، وما يصرف من نصف راتب كل عدة أشهر لا يفي بشراء احتياجات ومتطلبات أسبوع واحد، بعد تضاعف الأسعار خلال الفترة الماضية.

وعند البحث عن التمويل لم يجد أي مدخرات لدى أفراد الأسرة، بل ولم يجد من يقرضه هذا المبلغ لإقامة هذه المظاهر الاحتفالية، فقرر في الاجتماع الأخير إلغاء هذه الطريقة، وأن يكون الاحتفال بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في القلوب وفي الأرواح، في كل وقت وحين، أولاً بالصلاة والسلام عليه، وثانياً بقراءة سيرته والعمل بسنته واقتفاء أثره والعمل بأوامره وتجنب نواهيه، واعتباره المثل الأعلى في كل تعاملاتهم وطريقة معيشتهم، والقيام بكل ذلك ما حييوا على هذه الأرض.

Kho2002us@gmail.com

حول الموقع

سام برس