بقلم/ احمد الشاوش
الحقيقة المُرة التي يجب ان ندركها ان الشعب اليمني تعرض لـ "مرجام" الغيب وانه يخضع منذ سنوات لعملية غسيل مخ وغسل أمواله وثرواته وسرقة مرتباته وسلاله الغذائية ومواقعه الاستراتيجية وافقاره وتجويعة وفقاً لسياسة جوع كلبك يتبعك ، وان المواطن والمسؤول الذي لم يتم تربيته في البيت وتنكر لقيم العدالة والمساواة والتعايش والتسامح منذ 2011م وحتى اللحظة تمت تربيته بصورة بشعة بعد ان خرج الى الشوارع" بطرة" وخاصم وفجر وزايد وساهم في سفك الدماء واسقاط بيته الاول "الدولة" التي كانت صمام أمان المجتمع اليمني.

اليوم يدفع الرئيس والقائد والسياسي وشيخ القبيلة ورجل الدين والمعلم والاكاديمي والقاضي والتاجر والمثقف والاعلامي والموظف والعسكري الثمن باهظاً دون ان يُحرك ساكنا بعد ان سقطت الدولة والمؤسسات وصارت الحكومات مجرد يافطات وعناوين للابتزاز.

وفي اطار هذ المناخ المشحون بالمفاجآت و السناريوهات والفوضى فلا الحوثيين أصبحوا مطمئنين في صنعاء رغم قوتهم الضاربة ، ولا الشرعية المتناثرة مرتاحة في مارب والرياض ولا الانتقالي سعيد في عدن وأبوظبي ولا الاصلاح والاشتراكي والناصري والمؤتمر وتوابعه مستقرين في أي فندق ومدينة ودشمة بعد ان أصبح الجميع مجرد أدوات.

كان لليمنيين دولة وجمهورية ومؤسسات ومنجزات وجيش وامن واستقرار وتنمية ومدارس ومعاهد وكليات وجامعات ودستور وقانون يحتكم اليه الجميع ، وما تخرج الملايين إلا عنوان لتلك الدولة " الفاشلة"!!؟ وما الوزارات والمصالح الحكومية التي استوعبت مئات الآلاف من الموظفين من صنعاء وتعز والحديدة وعدن واب وحضرموت ومأرب والمهرة وابين والبيضاء بعيداً عن اللون والجنس والمذهب والعرق إلا أنموذجاً للدولة اليمنية والجمهورية الفتية التي تآمر عليها بعض أبناءها الحاقدين والجاحدين والانتهازيين والخونة بثمن بخس.

واليوم يتباكى الكثير من رموز الفتنة ويذرفون دموع التماسيح على الدولة التي وصل خيرها الى كل مدينة وقرية وعزلة وشخص ، بعد ان اسقطوها مع سبق الاصرار والترصد من قبل متآمري الفوضى الخلاقة وبعض امعات النظام السابق الذين تحولوا الى عبيد العهد الجديد.

ومن المفارقات العجيبة ان السياسيين وقادة الدكاكين الحزبية والمشايخ الذين تآمروا ونفذوا سيناريو تفكيك اليمن واسقاط الدولة كانوا أكثر المغفلين والخاسرين ، وان المواطن الغبي صُدم بسياسة التجويع والتخويف وتكميم الافواة والاعتقالات والتصفيات الجسدية في عدن ومأرب وصنعاء وتعز ،، وصُعق بحجم المؤامرة وجحيم الاسعار ، ومازال آلاف الموظفين المدنيين والعسكريين يأنوا من شدة الفقر والجوع والعطش نتيجة لقطع "الرواتب" بينما في عصر الحرية والديمقراطية والدستور والقانون والمرونة والدولة الفاشلة تحول الموظف والمواطن "الامعة" الى أسد لاسقاط الدولة الذي هو أول وآخر ضحاياها ، وترديد المثل اليمني " قطع الرأس ولاقطع المعاش" ، واليوم يقطع الرأس والمعاش دون ان يُحرك ساكناً.

شاهدنا العديد من صور السقوط الاخلاقي والحزبي عندما كانت تتأخر رواتب الموظفين يومين أو ثلاثة أيام في بعض المؤسسات والوزارات وكيف كانت تقوم القيامة ويقوم أشباه الرجال من الحزبيين وخفيفي العقول بالفوضى والصراخ والتهديد واغلاق ابواب هذه المؤسسة او تلك الوزارة وشتم ومنع المسؤل من الدخول الى مكتبه رغم حصولهم على كافة الحقوق والامتيازات من مرتبات شهرية واضافي ومواصلات وبدلات عسكرية رغم الفوضى ، وبذلك لم يحترم نفسه ووطنة.

لقد أدى تقاسم الدولة اليمنية الى ولادة أجنحة مسلحة على حساب قوة وهيبة الدولة بين الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر وعلي عبدالله صالح وعلي محسن وحزب الاصلاح والهاشميين والقبائل وكان للتبعية المحلية والاقليمية والدولية والاستقطاب أثره البالغ في تحويل البلد الى قنبلة مؤقته لتصفية الحسابات واشعال الحرب وتقسيم البلد ارضاً وانساناً واستغلال العدوان الفرصة لتغذية كل الاطراف بالمال والسلاح بعد ان استثمر نار الحقد والخيانة والانتهازيين والاعلام المسرطن والمذاهب الهدامة والنزعات الطائفية والامراض السلالية ، لتدمير وتجزأة الدولة التي فتحت أبوابها في كل مدينة لكل مواطن يمني وأحتضنت كل جائع وأستظل تحت سقفها وشرب من ماءها وأكل من خيراتها ودرس في مدارسها وجامعاتها وكلياتها مجاناً وألتحق في مدارس الشرق والغرب على نفقاتها والتحق بسوق العمل وكون نفسه وبنا منزلاً وتزوج وخلف ذرية من خير بلدة واليوم مع الاسف الشديد يفضل البعض القرية والمنطقة والسلالة والحزب والجماعة والعصابة والولاء للخارج على حساب وطنه وعرضه ودينة وقيمة في سبيل الثقافة السلبية الدخيلة والمال الحرام.

وبعد ان كان المجتمع يعيش حالة من الامن والاستقرار والتعايش والتسامح لم يعد القائد رمزاً والرئيس زعيماً والمسؤل هيبة والاكاديمي له مكانة والمثقف والحزبي احترام وشيخ القبيلة سطوة ورجل الدين وقار والمواطن صوت والموظف حق والعدالة والمساوة والحرية والديموقراطية ساحة ، بعدان تُرك الحبل على الغارب و حلت البندقية والدولار والولاء محل الدستور والقانون واللوائح والقيم.

ومازلنا نتذكر غطرسة الشيخ حميد الاحمر في حواره مع قناة الجزيرة وهو يُقلب المسبحة بين يديده بقوله : من شيخه صادق وقبيلته حاشد لايخشى الر جوع الى صنعاء .

ومازال صدى التصريح الناري للشيخ صادق الاحمر يرن في آذاننا : لازد رجع عفاش يحكمنا خلسنا العسوب للنسوان ، وفي النهاية لم تنقذه حاشد وانما بضع نساء تجمعن أمام المنزل ولم يوفي بنذره ويعطيهن العسيب .

وماتزال العيون تختزل المشهد المروع للشيخ صادق الاحمر أثنا مهاجمة الحوثيين لمنزله وهو يقول .. انا في وجه السيد .. لاتصوروني وبالتالي اعادوا اليه جنبيته والجلوس سكته دون أي تصريح او صوت ، بينما في زمن الدولة كل واحد تحول الى دولة.

والتاريخ يوثق اللحظة الصادمة التي دفعت القيادي ومُخبر الامن السياسي الاصلاحي محمد قحطان مهدداً الرئيس صالح بقولة أمام الملاء "سندخل غرف النوم" في ثقافة مستوردة أستفزت مشاعر وقيم كل بيت يمني حتى الناقمين على الرئيس صالح ، والمثل اليمني يقول لابن آدم ثُلث مانطق ودخلوا له الى غرف النوم ورغم ذلك الله يفك اسره.

ومازال السقوط يتواصل و الذاكرة فُل بالتصريحات النارية لمهندس وناعق الساحات الدعي عبدالله صعتر الذ خطب بقوله : ماعندنا مشكلة يموت 24 مليون يمني ويبقى مليون في هستيريا صعقت القريب والبعيد خارج اطار الدين والعقل والانسانية.

وكما يقولون الفنون جنون ، لاحظنا كيف تم اعتقال الرئيس هادي من قبل الحوثيين الذين رحب بهم في عمران وكيف تم تهريبة بصورة مذلة والمشهد المروع لهروب الجنرال علي محسن ، وعبدالملك المخلافي والعتواني وياسين سعيد نعمان واليدومي والانسي والزنداني وسلطان البركاني وبن دغر وغيرهم من مراكز القوى التي حكمت وتحكمت ولها ايجابياتها وسلبياتها وبعدان شبعت ارتمت في أحضان الرجعية.

وأخيراً .. تفشل حكومة الانقاذ بصنعاء برئاسة بن حبتور في تقديم أي خدمة للمواطن والموظف رُغم الخطابات الحنانة والطنانة.

ويقدم رئيس المجلس السياسي الاعلى بصنعاء مهدي المشاط "اعتذاره" لموظفي الدولة بعدم القدرة على دفع مرتبات الموظفين دون رحمة ضارباً بقراره نصف راتب كل شهرين عرض الحائط وكأنه أطلق آخر رصاصة على الموظف الكادح واسرته معزياً السبب الى شماعة العدوان رغم جباية المليارات من الظرائب والجمارك والزكاة وغيرها بينما جماعة وافراد انصار الله يتقاضون مرتباتهم شهرياً من الدولة رغم حديث حكومته امام العالم انهم يُمثلون كل اليمنيين.

وبنفس الآلية تصرف الشرعية لكوادرها وبعض الموظفين وتمنع صرف المرتبات في صنعاء عن البعض بحجة الامر الواقع وموت ياحمار ، ويصرف الانتقالي لافرادة وكذلك الحرك والنُخب وهكذا سقطت الدولة وتم تغييب الدستور والقانون والقيم والعدالة والمساواة وتبقى الرصاصة والبندقة والقناصة والاطقم المسلحة واتصالات التهديد والوعيد والسجون والمال الخارجي الملوث هو الآفة التي ستنهي حتى الحكام الجددنتيجة للظلم والفساد وتلفيق التهم وملاحقة الوطنيين والمثقفين والاقلام الشريفة تحت فزاعة عفاش والقاعدة ورافضي ومجوسي وسني شيعي وزيدي وشافعي واثناعشري.

لذلك نقول كفى كذب ورقص ونفاق وتخندق وصلاة وخُطب وجمعة وراء جمعة وعيد وراء عيد .. حان وقت العمل والصدق والمحاسبة والانصاف وازالة الظلم والشعور بالمسؤولية وتجديد الثقة وتحسين السمعة السيئة وتلافي الاخطاء فهل من مجيب .

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ

حول الموقع

سام برس