سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني

الفن بما هو تجريب و مغامرة .. مجالات فكرية و جمالية و تقنية تتزاوج و تتمازج داخل العمل الفني الواحد..

متعة الفن و شفافيته و دهشته وهو يمنح الكائن الكثير من أسراره و سحر الدواخل والحالات..

شمس الدين العوني

الفن هذه العوالم من أسئلة الذات المحفوفة بالحيرة و القلق حيث لا مجال لغير القول بالنشيد في ليل الأكوان و الاعلاء من شأن التفاصيل و العناصر في ضروب من البحث و الابتكار و التغايرقتلا للتنميط و لدرء القاتل في الانسان للملكات و ممكنات الجمال.

الفن كقيمة جمالية و التلوين و على غرار سائر الابداعات فسحة للحوار مع الذات و الآخرين في كنف الابتكار و تثمين ما هو متيقظ في الكينونة ..الفن التشكيلي كفعل دال في حياة الناس يصغي للايقاع و للأشياء بقوة..من هنا يمضي الفنان في رحلته بكثير من الحلم و البحث و القلق الجميل تجاه القماشة و غيرها فاتحا قلبه لا يلوي على غير المفردة التشكيلية و العبارة الجمالية تقوله و تكشف الحيز الكبير من شواسعه .

انها متعة الفن و شفافيته و دهشته و هو يمنح الكائن الكثير من أسراره و سحر الدواخل و الأعماق.
هكذا نلج تجربة مميزة عمل صاحبها على تخير نهجه التشكيلي لعقود وفق رؤيته العميقة التي تأخذ المسألة الفنية بكثير من الجدية لينحت من خلالها دربه الملون.

أعمال فنية متنوعة يجمع بينها حاجس الفنان ناجي الثابتي الملون بالبحث و الابتكار..الأعمال انتظمها معرض شخصي بعنوان " تقنيات ممزوجة " بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون ضمن أنشطتها الثقافية للموسم الثقافي الجديد .

الفنان التشكيلي ناجي الثابتي نفذ الى جوهر عمله الفني و صار يحاوره يسائل ممكناته الجمالية القصوى في ضروب من الانشغال المفعم بالتفكير قصد بناء حالة تشكيلية تستجيب لما يرنو اليه و هو الذي
يرى "... ان العمل الفني الحقيقي لا يدعو الى مجرد التطلع اليه بل الى التجوال داخله , الى استنطاقه, الى التفكير فيه ,الى التفاعل معه ,الى … تلك هي شواغل فنون التشكيل المعاصر و مقاصده..على هذا الأساس لا يمكن للفعل الإبداعي ان يمارس بذهنية منتج الصور التزويقية او كذلك بذهنية الحرفي الناسخ الذي يعيد نفسه دوما . فما قيمة التجربة الفنية ان لم تساهم في بناء معجم تشكيلي جديد و التفكير في أدوات جديدة لتقديم مشاريع فنية او منجزات جمالية تواكب جميع التحولات و تستلهم منها, تتاثر بها و تؤثر فيها ..من هذا المنطلق كان لا بد من الانخراط في مسار التجريب و البحث المستمر عن صياغات جديدة ,عن أدوات لم نالفها عن خامات (matières) و مواد (matériaux) و محامل و تقنيات و… من خارج المرسم الكلاسيكي مستمدة من المحيط البيئي و الصناعي تعود أساسا الى سجل الفنون الوظيفية ( عجائن فضلات صناعية متنوعة : خشبية مطاطية بلاستيكية (…يتم انتقاؤها وفقا لخصائصها البصرية و الملمسية و الجمالية مع استنطاق قدراتها التعبيرية و التقنية ..

من جانب اخر و فيما كان كل مجال من هذه المجالات التعبيرية ( رسم وحفر و نحت وخزف …) متمسك باستقلاليته عن البقية ,يُّبقي خصوصيته واضحة . يتجه المشروع الفني الإبداعي الذي انخرطت فيه الى كسر الحدود بين مختلف هذه التعبيرات الفنية و السماح لها بالتفاعل فيما بينها قصد تحرير الفعل الإبداعي من نواميس و قيود مكبلة و الارتقاء به الى أوسع مجالاته الفكرية و الجمالية و التقنية اذ يمكن لهذه الاجناس التعبيرية المذكورة ان تتزاوج و تتمازج داخل العمل الفني الواحد , يفضي الى توليفة جديدة تأخذ من الخصائص التشكيلية و الجمالية لكل واحد منها في تفاعل محمود يؤسس لخطاب تشكيلي متفرد . و هي رؤية ما زلت ماضيا في تاكيدها ,حريصا على تعميقها اكثر فاكثر اذ بالإمكان بناء جسر بين الفن التشكيلي (بكل روافده) من جهة و التصميم (design) من جهة أخرى لما يتضمنه معجم التصميم من ثراء و تنوع في المواد و الخامات و الأدوات و التقنيات و كل ما تفرزه التكنولوجيا في هذا المجال , و هو ما يساعد على تطوير هذه التجربة الفنية و يعمل على تجددها..." .

نعم هي لعبة الفن الباذخة تقصدا لمساحة جمالية تمنح شيئا من التآلف بين الأنواع الفنية تلغي ما يفصل بينها نحو شكل متعدد الالأسلوب و التقنية ..هي رؤية الفنان المغامر بجدية و وعي بعد بحث و مراكمة ..الفن في ابداعيته التي تتخير المسالك الوعرة بعيدا عن النمطية في التعاطي و السهل العادي المألوف...الثابتي من معرض الى آخر يبرز هذا الجانب في البحث التقني و منذ منتصف الثمانينات حيث انطلاقته الفنية .

بين الاشكال الهندسية و الاجساد و ما يحيل على الحالات المتعددة بين التراثي التفاصيل يكمن هذا الذهاب الجمالي للثابتي و هو يحاور الذاكرة و الزمن ..تعج لوحته بالضجيج الذي هو منتوج جمع من الهيئات الجسمية فكأنه ينقل هذا القلق البشؤي الآن و الهنا ..زمن التعليب المعولم للمادة و الحواس و العواطف .

محتشد من الحالات الدالة في مساحة اللوحة و بلا حدود فاصلة بين الرسم و الحفر في تلوين مخصوص يمنح العمل الفني شحنة رمزية و تاريخية في حيز بين من راهن الحال.

مساحة من الشغل الفني في دأب من البحث و التجاوز حيث الأثر الفني في صياغة جديدة من الحفر و التلوين في مشهدية جمالية تحويها لوحات كبيرة الأحجام..
هذه جادة فنان مغامر سعى منذ بداياته الى البحث و الابتكار ليتخير تعدد التقنيات في العمل و الوصل بين الطرائق للوصول الى نتيجة فنية في غاية من التعبيرية و الحرفية و الجمال.


ناجي الثابتي فنان تشكيلي و استاذ جامعي يدرس حاليا بالمدرسة العليا لعلوم و تكنولوجيات التصميم
و هو عضو عامل باتحاد الفنانين التشكيلين التونسيين وبالرابطة التونسية للفنون التشكيلية و كانت له مشاركات و مساهمات فنية مختلفة الى جانب المعارض الجماعية و الخاصة و من ذلك المشاركة في العديد من المعارض ب(فرنسا – بلجيكيا – مصر – اليمن – العربية السعودية…) و المساهمة في فعاليات الدورة السابعة لمهرجان المحرس الدولي 1994 و في ترينالي مصر الدولي الرابع لفن الجرافيك.2003 و في فعاليات البينالي المتوسطي الثالث للفنون التشكيلية بتونس.2004 و في بينالي الإسكندرية المتوسطي الثالث والعشرون 2005 و في مهرجان اللوحة الصغيرة (العربية السعودية) 2007 و في أيام قرطاج للفن المعاصر 2018 و في بينالي تونس للفن العربي المعاصر 2019 كما أنه اقام تسعة معارض شخصيّة في الحفر والرسم (Peinture) والتقنيات الممزوجة...و في الجوائز و التتويجات فقد تحصل على الجائزة الأولى لوزارة البيئة في الفنون التشكيلية (2003) و على جائزة وزارة الثقافة في الفنون التشكيلية (2004)
و على الجائزة الأولى في ثلاث مناسبات في مسابقة تصميم معلقات دعائية و على جائزة الرابطة التونسية للفنون التشكيلية (افريل 2018).

تجربة الفنان ناجي الثابتي مفتوحة على المزيد من البحث وفق رغباته التي تقول بالمغامرة الفنية و التجدد في مواجهة السكون و التنميط و هو في كل ذلك يمضي بكثير من التوق نحو الجديد و مثلما يقول "... ان العمل الفني الحقيقي لا يدعو الى مجرد التطلع اليه بل الى التجوال داخله , الى استنطاقه, الى التفكير فيه ,الى التفاعل معه...".

نعم هو فنان يطلع من داخل لوحاته كشخوصه و حالاتهم الشتى و هو النافذ الى عوالمهم في قاع اللوحة..في أعماق الحالة التشكيلية التي يقدمها في تعدد تجلياتها الفنية و الجمالية و الحسية.

حول الموقع

سام برس