بقلم/ محمد العزيزي

مرت اليمن منذ قيام ثورة 26 سبتمبر بمحطات تاريخية و سياسية عصيبة و أحداث لم يشهد لها مثيل ، و تعاقب على حكم البلاد عددا من الرؤساء و الزعماء خلال فترة 58 عاما ، و كان لكل رئيس حكاية و قصص مختلفة و محطة تاريخية له و عليه ؛و لا يستطيع أحد نكرانها و مجافاة تلك المحطات و الحقائق لهم فيها ما لهم و عليهم ما عليهم من الإيجابيات و السلبيات .

بعيدا عن الأحقاد  و الثأرات السياسية و الكراهية لهذا أو ذاك ، فإن للزعيم الراحل علي عبدالله صالح كغيره من الرؤساء  محطات كثيرة خلال حكمه و ما قبل الحكم و بعده و لو بدأنا في محطات ما قبل حكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح عفاش كانت هذه المرحلة مليئة بالأحداث السياسية الساخنة و العديد من المطبات و المنعطفات التاريخية ، كانت حقبة ما قبل " صالح"  ، اليمن تعاني من العديد من الإرهاصات و المشاكل و على رأس هذه المشاكل عدم الاستقرار السياسي و غياب سلطة الدولة و بسط نفذها  على كل مناطق البلاد

منذ قيام ثورة 26 سبتمبر و البلاد تعيش حالة من الاضطرابات و الانقلابات البيضاء و الحمراء ، حيث انقلب الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني على أول رئيس للبلاد بعد الثورة المشير عبدالله السلال و سمي بالانقلاب الأبيض   ، و تلاه هذا الانقلاب انقلاب أبيض ثاني حين ودع الرئيس إبراهيم الحمدي الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني صاحب أول انقلاب أبيض في اليمن بعد الثورة  ، و سبق ذلك انقسامات و صراعات على السلطة و النفوذ و حصار السبعين و التآمر في عقد العديد من المؤتمرات التآمرية على قيادة الدولة حيث كانت تعيش البلاد حالة من التكتلات و الأطماع و المماحكات و محاولات الاستفراد بالسلطة و فرض الهيمنة من قبل طرف ضد الطرف الآخر.

و تلت حقبة الانقلابات البيضاء الانقلابات الحمراء الدموية بتصفية الزعيم الخالد الرئيس إبراهيم الحمدي من قبل قوى العملاء و الخيانة و الإرتزاق و أصحاب التبعية للخارج و تكالب الداخل و الخارج ضد الدولة اليمنية المدنية الحديثة التي كان يقودها و يطمح لتأسيسها الرئيس الشهيد  الحمدي وأدت تلك المؤامرات و الدسائس إلى اغتيال الرئيس الحمدي ، و القضاء على حلم الشعب اليمني  .

و ظلت عملية الاغتيال للحمدي غامضة و لم تكشف خيوطها رغم أن من ضمن القتلى الذين تم التضحية بهم فتيات فرنسيات لم تطالب جمهورية فرنسا بالكشف عن أسباب القتل أو حتى تعترض على مقتلهن و هذا دليل على أن عملية القتل و الفوضى و الغدر و العمالة للخارج قائمة و بإشراف المخابرات الإقليمية و الدولية و الدليل أن دولة عظمى كفرنسا تغض الطرف و تتخلى عن مواطنيها و دمائهم لتحقق رغبات ووصاية دولة إقليمية الهيمنة على اليمن و استقراره و سيادته .

تأتي بعد ذلك حادثة اغتيال الرئيس أحمد الغشمي الذي لم يتهنئ بالحكم بعد اغتيال الرئيس الحمدي حيث لم تدم رئاسته أكثر من ستة أشهر ، و بعدها ظلت حالة الفراغ الرئاسي فترة من الزمن و لم يستطيع مجلس الرئاسة و القيادة  و مجلس الشورى حسم تعيين الرئيس الجديد للبلاد حتى تم اختيار الرئيس الزعيم علي عبدالله صالح رئيسا للبلاد ، و في تلك الفترة التي تسلم فيها السلطة كان يعرف أن الطريق للحكم لم تكن معبدة للرئيس صالح بل كانت مليئة بالأشواك و الكمائن و المطبات و المؤامرات ، تسلم السلطة وسط فوضى عارمة من الأحداث و الاغتيالات و القتل و التقطع و النهب و كان فرمان و توجيهات الحكومة و الرئيس لا تتعدى مداخل العاصمة صنعاء الأربعة ، فضلا عن فوضى و حروب جبهة المناطق الوسطى و مع ذلك استطاع الرئيس صالح خلال فترة حكمه الممتدة من عام 1978م و حتى عام 2012م حين سلم السلطة بموجب اتفاقية أو مبادرة الخليج المعروفة للجميع ؛ و ذلك من خلال بسط نفوذ الدولة و إنهاء الصراعات السياسية و الاغتيالات و إنهاء حروب جبهة المناطق الوسطى ، و بدأ يعمل على توحيد الجهود و إيجاد دولة و إن كانت ليست عند المستوى المطلوب و الطموح ، لكنها موجودة و بدأت بالتكوين و تظهر كدولة فتية و قوية.

يكفي الرئيس صالح فخرا أنه حقق الوحدة اليمنية و ظل ينافح و يكافح من أجل تحقيق هذا الهدف السامي و أحد أهداف الثورة اليمنية و طموح و مطلب الأمة العربية و الإسلامية و كانت حدثا هاما على المستوى العربي و الإقليمية و الدولي .

في الحقيقة لسنا هنا لذكر و عد انجازات الرئيس صالح و هي كثيرة لا تعد و لا تحصى ، و لا حتى لتقييم مرحلة حكمه و ما حققه سياسيا و اقتصاديا و تعليميا و زراعيا و تنمويا و غيرها من المساقات المختلفة ، و لا حتى إيجابيات و سلبيات صالح ، بل لنتحدث عن كيف كان الوضع في عهود ما قبل صالح و الحقبة التي تلت حكم الزعيم صالح ؟ و كيف كنا و كيف صرنا ؟ و اللبيب الفاحص الخالي من العقد و الأحقاد و الضغائن و الكراهية و الشوائب العدائية و العدوانية  يستطيع أن يميز بين الحقبتين و بين الحق و الباطل .. و كيف كان هذا الرجل حكيم في قيادة دفة الحكم ؟و كيف كان الوضع قبله و كيف صار من بعد ؟.

و بالعودة إلى مرحلة ما بعد صالح ، حقيقة عندما سلم الرئيس الراحل السلطة استجابة للفوضى الخلاقة أو ثورات الربيع العبري التي تكشفت حقائقها و فضحتها مؤخرا السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة و المرشحة الرئاسية السابقة و تأكد الناس جميعا مدى اللعبة القذرة التي رسمها الغرب من خلال هذه الثورة الخلاقة  ، و حدث ما حدث و يعرف الجميع تفاصيلها و ما وصلنا إليه من مواصيل بعد تسليم صالح السلطة أو بعد رحيل رجل الديمقراطية و الوحدة و التنمية ، و أصبح الوطن تائها بلا حكومة و لا راتب و لا وطن آمن و لا تعليم و لا صحة و لا أمن و لا أمان.

خراب و دمار وحرب و قتل و عدوان مستمر ، أصبحت اليمن فيها حكومتان و مجلسين للنواب و الشورى و رئيسان للبلاد و لهم رئيس ثالث .
خيانات و ارتزاق و كل طرف من الأطراف إمعة ، تابع و ليس له قرار ، ينفذ ما يملي عليه ولي نعمته ، ليس لهم ذرة كرامة أو وطنية أو انتماء للوطن ، باعوا ضمائرهم ووطنهم و مبادئهم و قيمهم و أخلاقهم إن كان لهم بقايا لهذه الصفات مما ذكرنا للشيطان انتقاما من الشعب ، فليس لهم و لا فيهم وازع من دين أو وازع  وطني و لا حتى وازع إنساني يردعهم لمراعات مصالح الوطن و الشعب ، أصبحت ملتهم جمع الأموال التي يحبونها من وراء هذه الحرب الملعونة من قبل جميع الأطراف المتحاربة على كرسي السلطة دون أدنى اعتبار لمعاناة الشعب و الأحوال التي وصل إليها .

ما عشناه و نعيشه اليوم من مآسي و جوع و خوف و تدهور لكل مؤسسات الدولة و الشعب نتيجة فوضى 2011م و ما ترتب عليها من أحداث و صراعات وصولا لحرب مستعرة لا تبقي و لا تذر ، و هي حقائق يعيشها الجميع دون استثناء و نحن اليوم نجني ثمارها و هذا
يؤكد مما لا يدع مجالا للشك أن الرئيس صالح كان على حق حين قال مع بداية أحداث 2011م  :" إن هذه الثورات الربيعية العبرية تدار من مقرات المخابرات العالمية و الصهيونية و تستهدف الشعوب العربية و أمنهم و استقرارهم و مقدراتهم خدمة لإسرائيل " و هي بالفعل كانت كذا و ظهرت وثائق الخارجية الأمريكية تؤكدها و تؤكد كلام صالح ؛ و لكن الغرور لم يجعل لهذا الكلام طريق إلى أذانهم و قلوبهم..

اليوم جميعنا شعوبا و أفرادا .. نساءا و رجالا ، ساسة و قادة ، أحزابا و كيانات يفترض أن نعتبر و نعود إلى رشدنا و أن ما حدث عبارة عن دروس و عبر نتعلم منها في المستقبل عندما نتذكر كيف كنا و كيف اليوم صرنا ، و كما يقول المثل لا يلدغ المرء من جحره مرتين و في الأخير لن أقول إلا كما قال الآخرون سلام الله على عفاش و عهد عفاش رضي من رضي و يزعل من زعل .

حول الموقع

سام برس