بقلم/ محمود كامل الكومى
في مقال سابق طرحت على شعبنا العربي السؤال التالي .. هل صرنا عمياناً؟

فالمؤامرة بادية للعيان من أول سطر في الاستيطان الصهيوني على أرض فلسطين – أذن فالصراع العربي الإسرائيلي لا يمكن أن يكون إلا صراع وجود , وكل خطوة مهادنة للعدو الصهيوني , لابد أن تؤدي إلى نخر في البنية العربية , وأي خطوة سلام معها بمثابة ديناميكية تعجل من خروج الهيكل المزعوم وهدم الأقصى الأسير , وكل تقارب مع الكيان الصهيوني , يزيده تمسكا بالخريطة المعلقة على جدار الكنيست من النيل للفرات .!!!

أسئلة عديدة تُطرح على النفس , وفى طرحها إثارة للشعب العربي – ليصير السؤال ,لماذا لم نمد البصر , ونؤمن بطبيعة الصراع الوجودي مع عدونا الصهيوني ؟
فالواضح أن كل إمبراطوريات الاحتلال ًَرَعت هذا الكيان في قلب ا
لوطن العربي ليكون شوكة في ظهر أمتنا العربية ومعول هدم لكل خطوة وحدوية , وليكون سوسة تنخر في البنية التحتية والفوقية لكل دولة عربية – ونحن نتعامى عن هدفها الدنيء , وننجذب أكثر للأهداف الصهيونية التي تُدَنِى من قيمنا وتجهض هدفنا الوحدوي , وتسخر من قوميتنا العربية وتشكك في انِتصارات الأمة العربية وتهين زعمائها ورموزها .

لم يكن هذا إلا مسخ لعقليتنا وتسطيح لفكرنا وتمهيد لأهداف عدونا , وكانت ديناميكيتهم في ذلك تمكين حكام - يسبحون بحمد إمبراطوريات الاحتلال والشر ويدينون بالولاء لها – من الجلوس على عروش الممالك والجمهوريات العربية ولا تفرقه الا في المسميات – وحين يتجلى زعيم أو ثائر عربي يشذ عن أهداف إمبراطوريات الشر الاحتلالية فلابد من اغتياله وتشويه كل أثر تقدمي له , والمثال الأبرز هو الزعيم جمال عبد الناصر فمازالت قوى الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية تستميت في محاولة اغتياله حتى في قبره .
والسؤال السالف البيان كنت أستعيده بمناسبة الفعل الأجرامى الغادر الذي هز لبنان كلها ودمر مرفأ بيروت بل ونصف المدينة تقريبا , ولذا كان لابد من العودة إلى التاريخ لنستبين .

لم تعترف الحركة الوطنية السورية وممثلوها في لبنان من الزعماء السياسيين المسلمين بالكيان اللبناني، وفي المفاوضات بين الحكومة الفرنسية والحركة الوطنية السورية في مطلع الثلاثينات اشترطت فرنسا أن تسلم الحركة الوطنية السورية بالكيان اللبناني لقاء توقيع معاهدة تعترف فيها فرنسا باستقلال سوريا ولبنان. ولقد قبل ممثلو الحركة الوطنية هذا الشرط الأمر الذي أحدث تصدعًا في صفوف السياسيين المسلمين الداعين للوحدة مع سوريا في لبنان وراح بعضهم يتلبنن مثل خير الدين الأحدب والبعض الآخر يبحث عن صيغة للتوفيق بين ولائه القومي العربي وبين اعترافه بالكيان اللبناني مثل رياض الصلح وبشارة ألخوري ومن عام 1930 إلى عام 1943 راحت صيغة رياض الصلح بشارة ألخوري وغيرهم من طلاب الاستقلال تتبلور، إلى أن تحولت إلى ما سمي بالميثاق الوطني اللبناني وهو يقوم على المعادلة التالية:

من أجل بلوغ الاستقلال على المسيحيين أن يتنازلوا عن مطلب حماية فرنسا لهم.
وأن يتنازل المسلمون عن طلب الانضمام إلى الداخل السوري.

كان الأهم عند الاحتلال الفرنسي التنازل عن الطلب الوحدوي فهو بلوغ هدف لسياسة فرق تسد يكرس واقع التفرقة وهى إستراتيجية أحتلالية مازالت إمبراطوريات الشر تثير الفتن وتشعل النيران لتسود كل البلدان العربية – أما التنازل عن طلب الحماية الفرنسية ففي العقل الباطن الاستعماري هو تكتيك وقتي تستبين فيه الشعوب التي طلبت الاستقلال – بعد أن تحاصر اقتصاديا وسياسيا بل وعسكريا أذا لزم الأمر ومن خلال عملاء الاحتلال وتمويل الرجعية العربية لهم ونشر الفساد – أن طلب الاستقلال هو أم الخطايا , وأن الاحتلال كان الجنة التي طردنا منها , فتمول طلبات إعادة الانتداب وسرعة عودة المندوب السامي للبلاد , وتمزيق العلم الوطني , وإعادة رفرفة أعلام الاحتلال .

كيف يجبرنا الاحتلال على تعظيم أن يحكمك عنصر أجنبي ؟

أليس في ذلك اعتداء على ذاتك وإهانة لكرامتك و تراب أرضك وأخوتك وبني جلدتك!
ولماذا استجبنا لآليات الاحتلال التي كفرتنا بالاعتماد على دواتنا في حكم بلادنا ؟ فتجربة الاستقلال ,لابد في طور النشأة أن تكون مليئة بالأخطاء وبالنضال ايضا ضد عملاء الاحتلال ,فلماذا تعاطينا وتماشينا مع ما أراده الاحتلال من تكفير الشعوب بزعماء الاستقلال وبكل من أراد النضال ضد المحتل وضد الصهيونية العنصرية وعمل على استقلال القرار ورفع الوصاية في تسيير شؤون البلاد؟

أسئلة أطرحها بمناسبة زيارة "ماكرون " الرئيس الفرنسي للبنان والعريضة التي وقعها عشرات الآلف من شعبنا اللبناني مطالبين بعودة الانتداب الفرنسي على لبنان , عقب حصار امريكى اقتصادي على شعبنا اللبناني والسوري بغرض تفجير الأوضاع فيهما من الداخل والثورة على النظام في البلدين , وإجبار الشعبين على اللجوء لإمبراطوريات الاستعمار لتعاد الأوضاع إلى سيكس بيكو القرن ال 21 ,أستغلها " ماكرون ",عقب تفجير مقصود في مرفأ لبنان ,رصد شحنة من الأمنيوم كانت محتجزة في مرفأ لبنان فَضُرِبت بصاروخ فدمرت نصف بيروت وصارت المجزرة التي نتج عنها ضحايا بالمئات من الشهداء وآلاف الإصابات من شعبنا اللبناني.
ابحث عن المستفيد يظهر الفاعل للعيان !

لم يكن العدو الصهيوني بعيدا عن لبنان بجواسيسه وعيونه , وكانت الرجعية العربية تآزره , فالمقاومة اللبنانية أمل النضال الباقي الآن,ضد إسرائيل , هى من تهدد الكيان الصهيوني في العمق ,لذا لابد من حريق كبير للدولة اللبنانية ينسب زورا وبهتانا للمقاومة , ويجبر الشعب اللبناني على طلب الانتداب الفرنسي وهو الأقرب ليواجه قوى المقاومة اللبنانية ويفكك مرابضها .

لكن يبقى الأهم والدافع الرئيسي لحرق مرفأ لبنان التجاوب اللبناني مع مقترحات صينية لتطوير موانئ لبنان(خاصة مرفأ بيروت) بالتوازي مع مشروع سكة حديد على طول الساحل، يتناقض مع تطوير ميناء(حيفا )وربطه بطرق وسكك حديدية مع موانئ الخليج يحرك أصابع الموساد الصهيوني و يؤكد دوره في جريمة تفجير مرفأ بيروت.

هذا السيناريو الأمريكي الصهيوني الخليجي رصدته كاميرا العقل حينما أعلنت قناة العربية السعودية أن حزب الله وراء حريق مرفأ بيروت .وكاد المريب أن يقول خذوني , لحظة أن نطق( نتنياهو) أن الكيان الإسرائيلي ليست له يد في حريق المرفأ البيروتى .

وتجلى ترامب ,وأعلن أن الانفجار ناجم عن وقوع هجوم فيما ناقضه وزير دفاعه .
فيما بدت لبنان هدية ترامب إلى " ماكرون" بعد فشله في أن يجد له موضع في ليبيا .
فيما بدت المهزلة الرسمية العربية تغُط في سبات عميق فلا الجامعة العربية نبست بكلمة ولا جمعت المسئولين لترطيب شفاه شعبنا اللبناني , فيما اختفت النخوة عن اى حاكم عربي وربضت كل طائرات الرئاسات العربية بجوار قصور الحكام ولم تجد من يركبها ويهبط بها في مطار بيروت تضامنا ولو شكليا .

معذور شعبنا اللبناني الذي ملأ دنيانا العربية فنا وأعلاما ورقيا ,وصار مؤخرا لا يجد طحين خبزه .
ويبقى على شعبنا العربي أن يجمع قواه وينتشل شعبنا اللبناني من من براثن العمالة للصهيونية والرجعية العربية والانتداب الفرنسي وأن يحمى المقاومة فيه , ليس بطحن الكلام ولا بالمال وإنما بالنفس والدم .

كاتب ومحامى - مصرى

حول الموقع

سام برس