بقلم/ د. حمود العودي

إذا علمت بأن الإمام زيد بن علي، رحمه الله، هو من دفع حياته ثمناً لرأيه المعروف والشهير بأن الإمامة هي في الأفضل من عامة المسلمين وليست في بيت أو مذهب أو سلالة، وأنه حتى لو وجد من هو فاضل ومن هو أفضل منه وآلت الإمامة إلى الفاضل رغم وجود الأفضل فذلك جائز ولا اعتراض عليه إشارة في ذلك إلى رأيه في أفضلية ولاية أبي بكر وعمر بعد الرسول (ص) رغم وجود من هو أفضل منهما في رأي الكثيرين وهو الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه.

وذلك حينما دعاه أهل العراق من المدينة للخروج على الظلم بعد خلافهم مع الوالي الأموي هناك على مطامع الدنيا فقبل بعد تردد أكثر من مرة، وما إن علم الخليفة الأموي في دمشق بخروج زيد حتى بعث لواليه في بغداد بسرعة إرضاء من يختلف معهم من أهل العراق بما يرتضونه قبل وصول زيد، لأنه إن وصل والخلاف على ما هو عليه فإنها ستكون فتنة لا قبل للوالي ولا للخلافة بها بالنظر لما يتمتع به زيد بن علي من المكانة العلمية والاجتماعية الكبيرة، ففعل الوالي وارضى من اختلف معهم بما يرتضونه من المال والسلطة قبل وصول زيد.

وعندها احتار الداعون له من المدينة بكيفية التعامل معه حينما يصل بعد أن قضيت حاجتهم التي كانوا يريدونه كمجرد مطية للوصول إليها، فبرز البعض من أكثرهم دهاءً ومكراً وقالوا للبقية: الحل هو أن نسأله عن رأيه في الشيخين "أي أبي بكر وعمر" وكانوا يعرفون رأيه المشار إليه آنفاً فيهما وفي الإمامة بشكل عام، لا ليجدوا في ذلك حجة لنقض ما دعوه من أجله والتخلي عنه بل وإرضاءً للوالي ومشاركته في قتله والتخلص منه.

وكان ما كان بالفعل، حيث سؤل بعد وصوله عن رأيه في الشيخين فقال قولته الشهيرة "أخ كريم وابن أخ كريم والله لن أقول فيهما إلا خيرا" فقالوا له ما دمت تقر بولايتهما ولا تلعنهما فأنت لست من أهل البيت ولا نصرة لك عندنا"، وقاموا بقتله مع من بقى معه في جريمة لا تقل بشاعة عن جريمة قتل جده الحسين، وسجل في سجلات غلاة الشيعة لا باعتباره من غير أهل البيت فحسب بل ومن الملعونين حتى يوم الناس هذا وإلى يوم الدين في رأيهم.

فماذا يمكنك كمسلم عاقل أن تقرأ اليوم فيما يجري على أرض اليمن وعلى امتداد الأمة من بشاعة العنف وضجيج الكراهية بحثاً عن تملك رقاب المسلمين وما يملكون بالاستيلاء على السلطة والثروة من دون الناس باسم "شيطنة التسنن والتشيع" التي لم ينزل الله بها من سلطان، أو الحق الإلهي المكذوب من السماء أو الوراثي الممقوت من الأرض، والدواعش مقابل الروافض والمنافقين مقابل "الطيبين الطاهرين"... الخ.

وحتى ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي التي تطل علينا اليوم في صنعاء وفي خضم هذا الغثاء لا لنتذكر علمه وفكره وفضله ومظلمة قتله بل لنوظف صفحته النظيفة تلك من جديد ضمن أوراق السياسة القذرة والملوثة في هذا الزمن السياسي العربي الرديء.

لأنه إذا كان أولئك الذين استدعوه قبل أكثر من ألف عام لنصرة الحق كذباً، كمجرد مطية لحصولهم على الباطل حقيقة، ثم قتلوه بعد حصولهم على الباطل ممن هو أبطل منهم فإننا اليوم لا نستدعيه إلا كشاهد زور لنا بالحق الإلهي في السلطة من دون الناس، بل وشاهد على نفسه بالخطأ والخطيئة عن قوله وفلسفته الاعتزالية العقلانية الرشيدة بأن الإمامة أو السلطة على الأصح هي في الأفضل من عامة المسلمين، ودفع حياته ثمناً لذلك عن إيمان وقناعة ورضا أمام الله والتاريخ والناس.

فماذا لو رشد عقل بعض مجانيننا قليلاً على الأقل من حوثة أنصار الله لا ليتخلوا عن حق الوصول إلى السلطة والثروة قط بل ليستمعوا إلى نصيحة ناصح بأن يبحثوا عن ذلك بطرق ووسائل أخرى أكثر جدوى ونفعاً ومشروعية من بشاعة العنف وضجيج الكراهية واستدعاء الماضي المضيء ليشهد زوراً على الحاضر المظلم، انطلاقاً من منطق العصر وضرورات الزمان والمكان ومقتضى روح الإسلام الحق، بدءاً بالتسليم بان الدولة والسلطة ليست قط عقيدة دينية بقدر ما هي عقد اجتماعي بين عامة الناس وحق مطلق من حقوقهم لقوله تعالى "وأمرهم شورى بينهم" وأنها تدخل في باب المعاملات لا باب الإيمان والمعتقدات، مروراً بمبدأ الديمقراطية والمواطنة المتساوية التي فطر الله الناس عليها، وانتهاء بصندوق الاقتراع الذي لا يكذب للوصول إلى الأفضل من الناس الذي دعا إليه الإمام زيد رضي الله عنه.

فهلا رشدتم يا مجانين الحوثة من أنصار الله قليلاً وخشيتم من يقظة من يُكذَبْ عليهم ومن يكذبون لكم وعليكم، لأن من اصطبح بالكذب ما تغدى به، "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" صدق الله العظيم.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك

حول الموقع

سام برس