بقلم/جميل مفرِّح

ترى لماذا لا يتم التعميم من قبل سلطة الحوثيين في صنعاء بمنع التعامل بالعملة السعودية، باعتبارها عملة البلد الذي يتزعم العدوان عليهم وعلى يمنيي الداخل الذين يتواجدون في مناطق سيطرتهم وسلطتهم..؟!

هذا مجرد تساؤل لا غير.. ولكن وراءه ما وراءه من الاحتمالات والمخاوف التي لا يمكن لأية سلطة في الوجود الوقوع في فخاخها الخطرة..

وذلك تأسيساً على التعامل الذي بات واضحاً ومخيفاً مع العملة السعودية والذي وصل حد البيع والشراء في التبادلات الكبرى والصغرى أيضاً، مثل بيع وشراء العقارات والسيارات وحتى البضائع.. وغير ذلك مما يتطلب مبالغ كبيرة ومتوسطة، يمثل اقتصادياً عملاً أو إجراء خطيراً للغاية لأسباب عدة، منها بداية أن ذلك يعني استبدال الريال اليمني بها وسحبه من الأسواق والتبادلات إلى حد كبير، قد يؤدي إلى حصول نقص في السيولة أو قد يكون حاداً ومؤثراً بطبيعة الحال على قيمة الريال اليمني، ووصوله إلى مستوى متدنٍ جداً، وربما التدهور إلى ضعف أو ضعفي أو أضعاف ما وصل إليه تدهور قيمة الريال من الطبعة الجديدة، وإن كنت أكاد أجزم أن تدني قيمة الطبعة الجديدة ناتج بقصدية مطلقة ومدروسة، وليس له علاقة بالطباعة ولا بالميزان التجاري العام أو ماشابه ذلك مما يشاع ويقرع عليه حالياً..

وعطفاً على ما سبق او بالأصح نتيجة له، فإن تراجع مستوى سيولة وتوافر الريال اليمني، سيؤدي إلى نتيجة عكسية مفادها التدهور الكبير في قيمة العملة، حد وصولها إلى شبه الانعدام، لصالح الريال السعودي الذي سيحتل مكان الريال اليمني ليغدو بدوره ما يشبه العملة الرئيسية في التعاطي والتداول الداخلي..

وعلى ضوء ذلك قد يترتب حدوث أو احتمال حدوث خطر آخر؛ يتمثل في ما إذا شاءت السعودية رمي ورقة أكثر خطورة من أوراق لعبها وتعاطيها مع الأحداث في اليمن، وذلك بتعمدها إعدام عملتها المتوفرة في السوق التداولية والتبادلية في اليمن، وهنا ستحل على اليمن كارثة اقتصادية كبرى ليس في قيمة العملة المحلية والتعاملات الشرائية الخارجية وحسب، وإنما قد يصل ذلك إلى مستوى التعاملات والتبادلات الصغرى والأصغر، أي في العمليات اليومية البسيطة، علماً أن معظم التعاملات وعمليات الوفر الشخصي والبنكي بين المواطنين اليوم باتت بالريال السعودي بنسبة كبيرة إلى جانب الدولار الأمريكي الذي لن تصل نسبته ربما إلى 30 أو 35% من التعاملات الداخلية..

تخيلوا معي فقط لو قررت السعودية التخلي عما هو متوفر من عملتها داخل اليمن أياً كان حجمها، وذلك ممكن ويمثل ورقة خطيرة بيد السعوديين..
تخيلوا لو أن السعودية قررت محاصرة نقودها الموجودة في اليمن، أو بالأصح في المناطق التي تحت سلطة الحوثيين، ومنعتها من الخروج خارج تلك الحدود، وتعاملت معها كسيولة معدمة، ما الذي سيحدث..؟

الذي سيحدث بالضبط أن تلك الأموال لن تساوي شيئاً أو في أحسن الأحوال قد تذهب السعودية إلى أبعد من ذلك في الدهاء وتسترد تلك الكميات النقدية بنصف قيمتها أو أقل من ذلك..
ولنا ان نتأمل ماذا سيحدث لأولئك الذين يستخدمون هذه العملة للتبادل التجاري والبيع والشراء خصوصاً في الصفقات الكبرى كالعقارات وبيع وشراء السيارات والمعدات والبضائع، وأولئك الذين بدأوا يستدرجون إلى اكتناز وادخار ومراكمة أموالهم الخاصة بهذه العملة سواء في منازلهم أو في البنوك..

بالطبع قد يقول قائل أنني أبالغ وأن قيمة الريال السعودي لن تتراجع بهذا الشكل.. ولكنني أقول أن أبسط احتمال في مجال الاقتصاد يظل قائماً ويمثل خطوراته المتفاوتة بين الطفيف والبالغ.. وأن السعودية لو أرادت إنهاء لعبتها في اليمن وفعلت ذلك وهو غير مستحيل ولا مستبعد من بلد كالسعودية، فإننا في الداخل سنكون عرضة لضربة مميتة أو شبه مميتة اقتصادياً..

ولو افترضنا تقليل الضرر نسبياً فستستطيع السعودية بسهولة التعامل معنا بمبدأ الابتزاز، وفرض إرادتها بالنسبة للتحول أو التغير في وضع الأزمة أو الخصومة والحرب القائمة بيننا وبينها، في الاتجاه الذي ترسمه وتقرره هي بكامل أو مطلق التصرف وبما يشبع ويرضي إرادتها، وسنغدو قليلي الحيلة في التعامل مع تلك المتغيرات، إن لم نكن معدمي الحيلة تماماً.

وفي الحقيقة من أهم ما أريد الإشارة إليه صراحة أنه لم يحدث في أية حروب أو نزاعات في العالم أن يستخدم طرف عملة الطرف الخصم ويستبدل بها عملته في تبادلاته الاقتصادية وتداولاته الشعبية، لأن ذلك في أبسط الأوجه، قد يودي به اقتصادياً ويصبح سبباً رئيساً في هزيمته واستسلامه لذلك الطرف، وسيحدث خللاً بل عللاً في اقتصاده لن يتعافى منها على مدى طويل من الزمن..

ما أخشاه وأود التحذير منه أن يتم استدراجنا من قبل السعودية إلى مزالق فيها من الخطورة ما يخشى أكثر من حرب الأسلحة أياً كان تطورها وكانت تقنياتها، وأياً كانت القوة المواجهة لها..

وللعلم والإشارة وربما الاعتراف، لم تستخدم السعودية حتى الآن حرب الاقتصاد إلا بقدر لا يكاد يذكر، وبالرغم من ذلك بإمكاننا أن نلاحظ الأثر السلبي المترتب على ذلك.. أما لو لو شاءت وذهبت تلك المذاهب المحتملة والمرعبة، فسيصل بنا الأمر إلى ويلات ومصائب لن نتعافى منها لقرن قادم من الزمان لا قدر الله.

حول الموقع

سام برس