بقلم/ د. موزة المالكي
الأم لا تتمنى للأبناء إلا الخير وراحة البال، إذا حملت بهم أخذوا من صحتها، وإذا كبروا أخذوا من روحها، وعند موتها أخذوا رزقها، ومع ذلك فالأبناء أهم ما في حياة الأم، 9 شهور في بطنها، وسنتان تُرضعهم من صدرها، وإلى أن يتعلموا المشي يكون قد انكسر ظهرها، وبعد ذلك تظل تحمل الأسى وتتغاضى عن مشاكلهم وعيوبهم وتنساها، وتأتي لحظات عليها تحس أنها ستقع ولا تستطيع المُواصلة، ولكنها تظل على نفس الحال، تنسى الأخطاء وتُداري عليها، وكل مرة تظن أنها آخر مرة.

تضطر الأم أحيانًا أن تساير أبناءها، حتى لو كانوا مُخطئين، وتصبح أرضًا لهم، حتى لو كان ما يفعلونه قد يقتلها خجلًا، فلا يكون بإمكانها إلا أن تفعل ذلك، فلو أخطأ أحدهم، ولم يُفصح عن خطئه، فلا يهون على قلبها أن تفضحه، ولا تستطيع رؤيته وهو يُعاقب أمام عينيها، الأم يهون عليها أن تُعاقَب هي وتدفع الثمن بدل ابنها.

معنى أن تكون الأنثى أمًا هو أن تضحّي وتغطّي على ذنوب أولادها وتظل واقفة معهم، عندما يستيقظ الطفل في مُنتصف الليل يئن من الحُمّى تتمنى الأم لو أنها هي التي تحترق بلهيب الحمّى بدلًا عنه.

عندما تصبح الأنثى أمًا تتوجّع، وحتى تستطيع الوقوف على رجليها لابد من أن تُخفي وجعها في قلبها حتى يكون بإمكانها القُدرة على المُواصلة، فالأم مدرسة كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم في أروع ما كتبه شاعر عن الأم في قصيدة طويلة أذكر منها بعض الأبيات:

الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها

أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ

الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا

بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ

الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الألى

شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ

أَنا لا أَقولُ دَعوا النِساءَ سَوافِرًا

بَينَ الرِجالِ يَجُلنَ في الأَسواقِ

يَدرُجنَ حَيثُ أَرَدنَ لا مِن وازِعٍ

يَحذَرنَ رِقبَتَهُ وَلا مِن واقي

يَفعَلنَ أَفعالَ الرِجالِ لِواهِيًا

عَن واجِباتِ نَواعِسِ الأَحداقِ

في دورِهِنَّ شُؤونُهُنَّ كَثيرَةٌ

كَشُؤونِ رَبِّ السَيفِ وَالمِزراقِ

رَبّوا البَناتِ عَلى الفَضيلَةِ إِنَّها

في المَوقِفَينِ لَهُنَّ خَيرُ وَثاقِ

وَعَلَيكُمُ أَن تَستَبينَ بَناتُكُم

نورَ الهُدى وَعَلى الحَياءِ الباقي

mozalmalki@hotmail.com

نقلاً عن الراية القطرية

حول الموقع

سام برس