بقلم/ محمود كامل الكومى
كشفت عملية جنوح سفينة الحاويات العملاقة "إيفر غيفين" في قناة السويس- مما أدى الي سد المجرى الملاحي بالكامل وتوقف حركة التجارة بين الشرق والغرب – عن مدى أهمية القناة عالميا , وأن تأميمها , كان هزيمة إستراتيجية لإسرائيل وفرنسا وإسرائيل ووريثة الإمبراطوريتين السالفين (أمريكا ), بل أن عملية الجنوح المؤامرة ,باتت ترد على كل من ادعي أن الشركة الأنجلو فرنسية التي كانت تدير القناة , كانت ستسلمها طواعية للدولة المصرية بعد انتهاء عقد امتيازها .

فمن ذا الذي كانت يستطيع أن ينزعها من براثنهم , سوي عفريت من الجن , وما كان ليستطيع ! لكنها كانت ضربة العمر في قلب قوى الاستعمار والصهيونية , وهاهي تتجلى الآن أكثر من ذي قبل , لحظة أن أعلن الزعيم جمال عبد الناصر قراره في 26 يوليو 1956 " تأمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية , شركة مساهمة مصرية "- وبكل الحقد والغل كان العدوان الثلاثي على مصر ,وانتصرت مصر.

ومازالت الي الآن تضمر قوى العدوان العداء لمصر بسبب تأميم القناة , وتحاك المؤامرات على القناة , مرات يتم استغلالها لتحقيق مآرب قوى الإمبريالية العالمية في العراق وسوريا , ومرات في محاولة تهميشها بإنشاء بدائل لها .

كانت كل الدلائل تشير الي تورط إسرائيل في انفجار مرفأ بيروت حين لاح في الأفق أنه سيعود كعروس لموانئ المتوسط , وهو ما لا تقبله اسرائيل, فميناء حيفا في شرع إسرائيل لا يجب أن يكون له منافس على المتوسط فأشتعل في ميناء بيروت الحريق.

ثم كان الاتفاق التجاري بين الإمارات وإسرائيل تفعيلاً للطريق مابين دبي وحيفا , لينتقص من قناة السويس - فيما تأكد أنه لا يمكن لأي طريق بري ,أو سكة حديد أن يكون بديلا لقناة السويس , فالسفينة العملاقة الواحدة تحمل ما لا يمكن أن تحمله ألوف الشاحنات وعربات السكة الحديد .

من هنا بدأت قناة بن جور يون مابين ايلات علي البحر الأحمر تربطه بساحل فلسطين المحتلة على المتوسط , تلوح في الأفق , فيما بدا هذا المشروع يأخذ الطابع العملي لحظة خروج تيران وصنا فير من الأرض المصرية , بصيرورة مضايق تيران دولية , يُجَمِلها مشروع نيوم المتحمس له محمد بن سلمان – وتمهيدا لذلك كان لابد من تهيئة الرأي العام العالمي , ومؤسسات النقل و التجارة الدولية – لتشجيع العمل على قناة بن جوريون , واعتبارها البديل الآمِن لقناة السويس لاستقرار التجارة الدولية وضمان سيولتها من الشرق للغرب وبالعكس خاصة ناقلات النفط , فكانت الحرب على قناة السويس , حتي تظهر بعدم قدرتها على استتباب الأمن والسيولة لحركة النقل والتجارة , فتفقد مقومات وجودها.

ومن هنا كانت محاولة , تفجيرها معنويا , لحظة أن عبرت سفينة الحاويات العملاقة "أيفر غيفين" وسدت القناة , وتعطلت مئات السفن التي تحمل الغذاء والوقود عند مداخل القناة في البحر الأبيض والأحمر , وبدت الحرب على مصر بتصويرها أنها فقدت قدرتها على أدارة القناة وتوفير مقومات الأمن والسلامة للسفن العابرة , وتوقع الجميع مرور عدة أسابيع على غلق القناة , لحظتها سترفع مصر الراية البيضاء وتسلم لأمريكا وغيرها بطلب المساعدة , لكن عناية الله والقدرة الفائقة للمهندسين والعمال المصرين , كانت جديرة بتعويم السفينة الجانحة بعد خمسة أيام فقط , وتفويت الفرصة , على المتآمرين , وعادت للقناة حركتها المعتادة , ويواصل عمال هيئة القناة ومرشديها العمل ليل نهار لتسير مئات السفن المنتظرة منذ أيام .

فيما لاحت للجميع ,أكثر من أي وقت مضى مدى أضرار كامب ديفيد على مصر والأمة العربية , خاصة بنودها السرية وأهمها ترعة السلام الي صحراء النقب , وارتباط ذلك بسد النهضة , كما ارتبطت تيران وصنافير بقناة بن غوريون .

أن معركة القناة الأخيرة لا ينظر إليها على أنها سفينة سدت المجرى الملاحي للقناة , فلقد حول جهد العمال والمهندسين المصريين أنظار العالم بعيدا عن السفينة الجانحة , الى قدرتهم الفائقة على عدم الرضوخ لطلبات مساعدة من تآمر على القناة .

حمى الله أرض الكنانة , و أرشد العقول الي عدو الوجود و جعل الأبصار عنه لا تحيد.

*كاتب ومحامى – مصرى

حول الموقع

سام برس