بقلم/ محمد العزيزي
يحكى أن لـ " سعيد و سعيدة" حكاية ظريفة و جميلة و سياسية و هي واحدة من الحكايات المتداولة في الريف اليمني و تدور تفاصيل هذه الحكاية ، أن الزوجان شغلا بمشاكلهما و قضاياهما اليومبة المجتمع المحيط لهما من كثر ضجيج الزوجان و خلافاتهما المتصاعدة صباح ، مساء ، فلا يسمع الناس إلا إرتفاع أصواتهما و شجارهما حول قضايا خلافية و لا يفهم الأخرون الأسباب .

صباحا كان يتجه سعيد و سعيدة إلى العمل و المزرعة سويا و هما يتجاذبان الحديث و يضحكان و يحملان فطورهما ، يفترشان الأرض في الحقل و يتناولان الإفطار و يكملان عملهما و يحملان ما جمعوه من زروع و العودة إلى المنزل عند الظهر ، يذهب سعيد للصلاة و تتجه سعيدة لإعداد الغداء ، و بعد الغداء يبدأ سعيد و سعيدة بإفتعال المشاكل و يتعالى الصياح و تبادل الاتهامات لبعضهما البعض ، ومناقشة قضايا تافهة و هما أيضا يتبادلان قصبة " المداعة " في سطح المنزل ، أبناء القرية يحاولون القيام بوساطات و فض الشجار و حل خلافاتهما، لكنهما يعودان سريعا مساءا للمشاكل من جديد و ترتفع أصواتهما و تعلو كثيرا حتى يظن جيرانهما أن الحرب الطاحنة أوشكت و لابد من انتصار أحدهما أو انفصالهما على الأقل ، و ربما يقضى الأمر و يخلص أو يتخلص المجتمع من إزعاجهما و مشاكلهما و تهدأ البلاد من شرورهما و حكايتهما التي لا تنتهي .

يفاجئ الناس صباحا أن سعيد و سعيدة متصالحان ، و يشربان القهوة ووجبة الإفطار و متجهان نحو عملهما كالعادة مثل كل يوم ، و بهذه الحالة ألفهم الناس و تعودوا على سعيد و سعيدة و حكايتهما و سلوكهما اليومي ، و كلما أرتفع أصواتهما وزاد شجارهما لا أحد يتدخل و الجميع يقول لا تصدقوا سعيد و سعيدة ليس بينهما مشاكل أو خلافات " سادين " .. تلك كانت حكايتهما .

حكاية" أمريكا و إيران " تتطابق تماما مع حكاية سعيد و سعيدة، تارة أمريكا تهدد بتحريك حاملات الطائرات ووصول طائرة B52و هي أضخم طائرة حربية و قاذفة القنابل و الصواريخ من مسافات بعيدة ، و تارة أخرى تفرض عقوبات اقتصادية على إيران ، و تارة أخرى تتفق أمريكا مع مجموعة (5+1) حول الاتفاق النووي الإيراني ، أمريكا تنسحب من الاتفاق النووي.

من. جهتها إيران تقصف القواعد العسكرية الأمريكية بالعراق بعد إبلاغها أمريكا بالعملية و لا يوجد إصابات ، إيران تعترض السفن الحربية و التجارية الأمريكية في البحر ، إيران ترفع تخصيب اليورانيوم من ٥٪ إلى ٦٠٪ .

أمريكا تعود للاتفاق النووي و تطلب من إيران للعودة لإلتزاماتها بالاتفاق النووي ، إيران ترد بالرفض و تطالب أمريكا بالعودة أولا و أنها أي أمريكا تعرف طريق العودة و البدء أولا برفع العقوبات .

إيران ترفض طريقة العودة للاتفاق خطوة بخطوة ، و تقول أمريكا هي التي انسحبت من الاتفاق و عليها العودة للاتفاق و رفع العقوبات أولا ،. أمريكا بدورها ترفض طلب إيران بفرض شروط العودة.

أمريكا و إيران تتحاوران بطريقة غير مباشرة ، إيران تعلن تقدم المفاوضات و بشكل كبير في أنجاز العودة للاتفاق ، أمريكا ما يزال الطريق طويلا للعودة إلى الاتفاق النووي.

إيران تتهم واشنطن بمحاولة إضاعة الوقت في المفاوضات.

إيران متفائلون بنتائج المفاوضات و الوصول إلى حل مع واشنطن و نحن على بعد خطوة من الخروج من الأزمة النووية .

المجتمع الدولي متفائل من التوصل إلى اتفاق جديد و حل كل القضايا السياسية و تدخلات إيران في المنطقة .
أمريكا لابد من تعاون إيران في حل الأزمات في اليمن و لبنان و سوريا .
أمريكا حان الوقت من إحلال السلام في اليمن..

كل هذه المناورات السياسية التي تتناوبها أمريكا و إيران أليست تشبه ما حدث و يحدث في حكاية سعيد و سعيدة.

الصراع السياسي بين سعيد و سعيدة ، أقصد إيران و أمريكا و الضرر دائما يلحق بالأخرين مشاكل إيران و أمريكا المتضرر الوحيد هم الشعوب العربية جراء هذا الصراع الناعم بينهما و نحن العرب من ندفع ثمنه في دمار البنية التحتية و حصار و قتل و تدمير الاقتصاد و تشرد الكثير من الناس ، و تعليق القضايا اليمنية و السورية و اللبنانية بقضية الصراع الأمريكي الإيراني..

طيب ما دخل الشعب اليمني في هذا الصراع و الدمار ؟!! و هل فعلا يوجد هناك خلاف بين سعيد و سعيدة ؟!

أقول لا و ألف لا ، ليس هناك خلاف بين أمريكا و إيران ، بل خلافهما يحقق لهما مصالح اقتصادية لا تعد و لا تحصى ، و لم تتضرر مصالحهما ، و أمريكا بهذه الخلافات تحقق أضعاف المكاسب الاقتصادية و كذلك إيران.

مثلا إيران تبيع نفطها و طاقتها للعراق و تركيا بمبالغ خيالية ، و مافيا التهريب تشتري نفط إيران عبر أوزبكستان و قرغيرستان و طاجيكستان و باكستان ، و أيضا عبر شركات تملك سفن و تحمل علامات تجارية و أعلام دول أخرى و تحت سمع و علم أمريكا ، و بالتالي إيران مصالحها تسير على ما يرام و كذا أمريكا ، إيران تخدم مصالح أمريكا و العكس و الأخيرة تصنع من إيران لاعب رئيسي و قوي و مرعب في المنطقة و المتضررين هم العرب .

أمريكا حققت مليارات الدولارات كهدايا و مساعدات مقابل حماية أمريكا لدول المنطقة من عنتريات إيران ، و شركاتها كسبت مليارات الدولارات من وراء بيع و شراء السلاح لدول المنطقة و تغذية الحرب و الصراع و مثلها مساعدات إنسانية و صحية تنفذها بالطبع شركاتهم ، و العرب ما عليهم إلا يدفعوا ، يدفعوا الثمن و هم يقبضو الأموال. إذا هنا نسئل من الذي يتضرر و يدفع الثمن في كل الاتجاهات ؟!
أمريكا و إيران تحققان مكاسب سياسية و اقتصادية و نفوذ و تتحكم بقدرات الوطن العربي عموما و هذا التحكم لا حدود له ، بينما نحن الشعوب العربية ندفع الثمن باهضا نتيجة الخلاف المزعوم بين أمريكا و إيران و هما متصالحتان و تحققان أهدافهما و مصالحهما و نحن الضحايا من وراء كل ذلك وهذه الدوامة الخبيثة .

أخيرا ألا تشبه خلافات إيران و أمريكا حكاية و خلافات الزوجان سعيد و سعيدة ، بالنسبة لي أنا أجزم و أحلف بكل الكتب السماوية أنه لا يوجد خلاف بين واشنطن و طهران البتة ، و إن سمعنا ضجيج فهي غير حقيقية و إنهما بهذه الخلافات التي " أدوشونا " و أزعجوا العالم بها يستخدمونها ضدنا ، و إن ما يحدث هو حكاية مكررة من حكاية سعيد و سعيدة ، و رفع الأصوات و المساجلات بالتصريحات و اصطناع الخلافات و المشاكل ما هي إلا لإيهام الأخرين أنهما على خلاف لتحقيق الأهداف المرجوة و امتصاص ثروات الأمة العربية , في الحقيقة أن واشنطن و طهران متفقتان حد التطابق على استغلال شعوب المنطقة و الشعب اليمني على وجه الخصوص باعتباره الضحية الجديد في الصراع الأمريكي الإيراني، و سلاماتكم .

حول الموقع

سام برس