سام برس
في ضوء الأحداث التي تشهدها مدينة القدس وفي ظل الصمود البطولي لأهلها، رصدت ورقة بحثية صادرة عن مركز الزيتونة المسار التاريخي للمقاومة الشعبية في القدس وصولاً لولادة الحالة الشعبية في المدينة 2012-2019.

وقال معدُّ الورقة الباحث الأستاذ كمال جهاد الجعبري، أن القدس قد شكلت حالة مركزية ورافعةً ثورية لمختلف الهبّات والثورات الشعبية الفلسطينية، منذ هبّة النبي موسى سنة 1920، مروراً بثورة البراق سنة 1929، والانتفاضة المباركة 1987-1993، وانتفاضة الأقصى 2000-2005 وغيرها.

ومع تصاعد إجراءات الاحتلال الصهيوني الهادفة للسيطرة على المسجد الأقصى وتهويده، شهدت السنوات 2012-2014 تزايداً كبيراً في كمية ونوعية تلك الاعتداءات، وتصاعدت الممارسات التهويدية والاستعمارية تجاه مختلف القطاعات في القدس، وصولاً لطرح النائب أرييه إلداد مشروع قانون "تقسيم المسجد الأقصى" بين المسلمين واليهود، وبعد انتخابات الكنيست عام 2013 ونجاح 6 وزراء ونواب وزراء من جماعات المعبد في الحكومة الصهيونية الجديدة، ترجمت تلك الجماعات هذا الإنجاز السياسي إلى فعل على الأرض مباشرةً، عبر تنفيذ الاقتحامات للمسجد الأقصى من الشخصيات الصهيونية الرسمية. وفي السنة ذاتها، سجل الاحتلال الصهيوني اعتداءات متصاعدة، أسهمت في زيادة حالة الرمزية القابلة لتفجير الهبّات في القدس والضفة الغربية، وتسارعت وتيرة الأحداث الميدانية في القدس ما أسهم في تكريس شكلٍ متجددٍ من أشكال النضال الفلسطيني، وهو نمط الهبّات.

فاندلعت ما عُرف بـ"هبة رمضان" في أعقاب إقدام مجموعة من المستوطنين على اختطاف الفتى محمد أبو خضير، في 2/7/2014، لتفجر مواجهات عنيفة في القدس ومختلف مدن الضفة الغربية، وسرعان ما أسهمت تلك الهبة باندلاع حرب ضارية على جبهة قطاع غزة، استمرت على مدار 52 يوماً. ولكن التفجر الحقيقي لـ"الانتفاضة الثالثة" أو "انتفاضة السكاكين" كان في شهر أيلول/ سبتمبر 2015، إثر إقدام قوات الشرطة الصهيونية على ضرب المرابطات وسحلهنّ، في مشهد استفز الرأي العام العربي والإسلامي.

وشهد شهر تموز/ يوليو 2017 تطوراً نوعياً مهماً كان له بصمة في تطورات الأحداث في القدس، فإثر عملية فدائية داخل باحات المسجد الأقصى، أعلنت سلطات الاحتلال الصهيوني منع إقامة صلاة الجمعة في المسجد الأقصى لأول مرة منذ سنة 1967، مستفزةً مشاعر ملايين العرب والمسلمين، فيما نفذت الشرطة والمخابرات الصهيونية اقتحاماتٍ استفزازية للمسجد الأقصى، واعتدت بالضرب على حراس المسجد الأقصى وأخرجتهم خارجه، وقامت بتركيب البوابات الإلكترونية على أبواب المسجد الأقصى، إلا أن الجماهير الفلسطينية سجلت انتصارها بكسر القرار الصهيوني، وترجمت ذلك عبر أداء عشرات الألاف من الفلسطينيين لصلاة الجمعة في المسجد الأقصى، في مشهدٍ احتفالي ضخم في 28/7/2017.

وكانت هبة باب الرحمة خلال شباط/ فبراير 2019 محطة أخرى، حيث تمكنت تمكن عددٌ من الشبان المقدسيين من خلع الأقفال المنصوبة على أبواب مصلى باب الرحمة في 18/2/2019 وذلك بعد قيام قوات شرطة الاحتلال بإغلاق باب الرحمة بالأقفال الحديدية، مانعةً أي تواجد بشري فلسطيني داخل المصلى، وإن كان من طواقم الأوقاف الإسلامية في القدس.

وفي معرض رصده لتطور الحالة الشعبية في القدس، أشار الباحث إلى استخدام أحد أساليب العنف الثوري والذي تمثل في العمليات الفردية والخلايا اللا هرمية، وهو نمطٍ حديث قديم من أنماط مقاومة الاحتلال الصهيوني، واعتبر ذلك نتيجة للمعطيات الأمنية على الواقع في الضفة الغربية، ما بعد سنة 2006 وتفاهمات دايتون، والتنسيق الأمني، والذي عمل على منع عودة الحالة العسكرية التنظيمية للمقاومة الفلسطينية، وإلى إحباط العديد من المخططات والخلايا العسكرية، التابعة لفصائل المقاومة الفلسطينية.

وقد لعبت ظاهرة العلميات الفردية دوراً رئيسياً في إشعال أكثر من فصل من فصول المواجهة في الضفة الغربية والقدس تحديداً، خلال الفترة 2015-2019. وعجز الاحتلال الصهيوني في كثير من فصول المواجهة عن وقفها أو تقويضها لعدم ارتباط تلك الظاهرة عنقودياً بأي تنظيم أو فصيل من فصائل المقاومة الفلسطينية لتتشكل ملامح مقاومة شعبية جديدة في القدس، طويلة الأمد، متمثلة بالهبّات والحراكات الشعبية، المترافقة مع عمل فدائي مسلح فردي، على طريقة "الذئاب المنفردة"، واصطلح على تعريف هذا المولود الجديد باسم "هبّة القدس"، أو "انتفاضة القدس"، التي ما تزال مستمرةٍ منذ أكثر من خمسة أعوام بوتائر ودرجات متفاوتة.

حول الموقع

سام برس