بقلم/ احمد الشاوش
عيشة خادم ..

لاول مرة في حياتي احلم بإن أكون من فئة الاخدام واتفاءل ان أكون من أحفاد بلال أو شريحة المهمشين دون تردد بعد ان أختلط الحابل بالنابل وتم افقار المواطن الشريف بصورة ممنهجة من قبل جميع القوى السياسية وتجار الحروب الذين حولوا اليمن الى جحيم وتحت خط الفقر.

لذلك فأن التحول الى خادم أو شخص مهمش والاندماج مع تلك الشرائح المتواضعة والبسيطة هذه الايام بعد ان سقطت مراكز القوى وأصبح مشايخ طوق صنعاء عشرة بريال هي ضربة حظ وفرصة نادرة للتحرر من الوظيفة بالمجان وصرف نصف راتب على غرار رقدة أهل الكهف والتخلص من المسؤولية الاسرية والنفقات والالتزامات المادية المجحفة.

حاولت في تفكيري أن أقتحم عالم العشش والصفيح والبساطة والطيبة والشفافية والتحرر بتحويل بشرتي الى سمراء اللون في خمسة أيام بدون معلم ، على غرار الاخوين شوعي والانسة دحيدح أو مايكل جاكسون و محمد علي كلاي لكن محاولتي باءت بالفشل بالتسلل الى المجتمع المغلق نتيجة للرقابة الصارمة وكأنني أمام أجهزة فحص بصمة العين ولون البشرة بلمح البصر وفق معايير وأجراءات خاصة كجهاز فحص الكذب والحمض نووي رغم انني أقطع مسافة ثمانية كيلو متر كل يوم بين الريح والشمس والغبار في محاولة للاندماج بالعالم الآخر بعد ان غسلت يدي من وهم الدولة ومؤسساتها التي اصبحت عبئ ثقيل على المواطن في الغاز والبترول والاسعار ،،.

وأحلى مافي الموضوع انك في عالم اللون الاخر لاتحتاج الى وظيفة مع دولة تبرمك وتاجر يستغلك وشخص يصادر حريتك ولاتحتاج الى شراء أرضية وكروكي ومهندس كبير وبناء منزل وشراء سيارة وخطبة ومهر وشرط بالملايين ولا الى صالة افراح فارهة وبريستيج هاي هاي للاستعراض امام الآخرين.

كما ان بناء كوخ اوعشة أو غرفة صفيح تتم خلال ساعات في أي مكان دون ان تعترضك طقوم البلدية والنيابة وهيئة الزكاة والضرائب واراضي وعقارات الدولة ، وبإمكان القيرعي ان يتصل بالسفير الامريكي والامم المتحدة وحقوق الانسان وخبر في سي ان ان وآخر في بي بي سي تتوقف الملاحقة والاطقم .

صرنا نحسد هذه الشريحة المكافحة رغم تهميشها وعدم اندماجها في المجتمع ، ولسان الحال يقول لا هي التي اندمجت في المجتمع كما في امريكا واوروبا ولا نحن الذين أنتشلناها أو انصهرنا فيها للهروب من الواقع المرير ، بعد ان أصبحت محظوظة وتحج اليها المنظمات الحقوقية والانسانية والباحثين والناشطين والناشطات وتدفق سلال التجار والغذاء العالمي والغاز لشيء في نفس يعقوب.

والعجيب في الامر انك تشاهد بإم عينيك أطفالاً وشباباً ورجالاً وشيوخاً ونساء وعجائز ذات الماركة الاصلي أقوى من المضاد الحيوي والسيارات الشاص والصوالين القديمة والمدرعات وساعت الرولكس والرادو ، فلا تسمع أحدهم شكا من الزكمة أو الكحة والحساسية أو أسعف الى مستشفى جراء جلطة او قلب اوإصابة بسرطان اوفشل كلوي وانما يتمتعون بصحة خارقة ومناعة بلاحدود يفتقد اليها الاطباء ورجال الاعمال والوزراء والقادة والمواطن العادي .

ومن نعم الله تعالى انه يرسل البرد بقدر الدفا ، وان البيئة الشديدة التي يعيشون فيها والظروف المناخية المتقلبة ساعدت في بناء اجسامهم حتى أصبحوا ضد الريح والشمس والبرد والمطر والغبار والخدش ، لذلك نحسد تلك الصحة التي يتمتعون بها.

الكل يعيش اللحظة بإقل الامكانيات ويعمل وفق عقارب الساعة من الصباح الباكر وحتى آخر الليل في الجولات الرئيسية والفرعية وعمال نظافة والبعض يدرس بالاعداية والثانوية والجامعة وبعدها أسمع لك والسهرة والخزانة والمجابرة والرقص على أصوات والحان فيصل علوي ومحمد سعد عبدالله ونانسي عجرم ومحمد عبده وبلقيس وغيرها، وشل لك والرقدة وصحوة مبكرة وكل الى عالمه.

البلد الذي يتحول فيه القيرعي الى رمز أمر محير والمومري الى موجه للرأي العام وخطيب الجمعة الى شدة قريح وقاطع الطريق الى مسؤول والقاضي الى مرتشي والمدرس الى حزبي والجندي الى مرتزق كارثة ، كل هذه التحولات العجيبة والثقافة الجديدة تدفع المواطن الشريف الى الكراهية والتشرد والنزوح والانزواء نحو المجهول.

وأطرف مافي بالونات اختبار شياطين السياسة هو صعود نجم " القيرعي " بعد ان تم نشر " اشاعة" قبل سنوات بتعيينه محافظاً لمدينة تعز وهو ما أثار مسؤولي ومثقفي واعلاميي الحالمة وقلب تعز عاليها سافلها وبسبب " خُبارة" ، قامت القيامة.

لكن مايعيق البعض من الاندماج والانصهار في مجتمع المهمشين هي العادات والتقاليد والاعراف ونظرة المجتمع السلبية التي تحولت الى خطوط حمراء لدى الاسرة والقبيلة والمجتمع ، بينما لوأهتمت الدولة ومؤسساتها بهذه الشرائح المجتمعية من خلال أصدار قانون ملزم ومساعدتهم لما ظل الحال على ماهو عليه من التخلف والانطواء.

وشاهد الحال اليوم يبشر بالخير بإلتحاق الكثير من الطلبة والطالبات المهمشين الى التعليم بآمال وطموح كبير ، بل ان بعض الطالبات تدرس حالياً في ادارة اعمال بجامعة صنعاء ورغم الارادة والتميز تخجل عند سؤال أحدى زميلاتها في الجامعة عن سكنها نتيجة للارث الثقافي السلبي المجافي للدين والقيم الانسانية.

أخيراً.. ومن غير المعقول ان يدرس بعض الاطفال المهمشين خارج سور مدرسة حكومية والسبورة الى جدار السور بجهود شخصية وتطوعيه في منطقة الحصبة بحجة عدم دفع ألف ريال لمساهمة مجتمعية غير قانونية دفعتهم الى خارج السور بينما نريد أن نزيل الحواجز والفوارق وندمجهم في المجتمع كأبسط حق دستوري وقانوني وانساني واخلاقي.

لذلك اذا ما اتيحت الفرصة لمثل هؤلاء اليمنيين سيصبحون في المستقبل أطباء ومهندسين وقضاة ومدرسين وسياسيين واعضاء مجلس نواب من خلال قطار التعليم وان غداً لناظره قريب.

حول الموقع

سام برس