بقلم/ عبدالباري عطوان
هل بدأت الامارات “انسحابها الثاني” من مستنقع الحرب اليمنية بسحب قوات حلفائها “العمالقة” من حرب مأرب واعادتهم الى “قواعدهم” في الغرب؟ وهل كان تهديد الحوثيين بقصف معرض “اكسبو” في دبي هو الذي عجّل بهذه الخطوة “غير المفاجئة”؟ وكيف سيكون الرد السعودي

دولة الامارات العربية المتحدة بإعطائها الأوامر “لألوية العمالقة” الجنوبية التابعة لها، بوقف عملياتها العسكرية ضد القوات الحوثية في محافظتي مأرب وشبوة، “اشترت” أمنها واستقرارها، وتجاوبت بالكامل مع الرسالة “البليغة” التي أرسلتها حركة “انصار الله” الحوثية من خلال صواريخها وطائراتها المسيّرة التي قصفت مدينتي ابو ظبي ودبي يومي الاثنين الماضي، والذي قبله، بأن تورطها في حرب مأرب، وايا كانت القوى التي كانت خلفه، سيكون مكلفا جدا على الصعد كافة.

الحوثيون فوجئوا بإختراق حكومة الامارات لاتفاق غير مكتوب معهم بالنأي بالنفس، وعدم التدخل في الحرب المشتعلة في مناطق الشمال اليمني، خاصة في مأرب والحديدة، مقابل تركهم يفعلون ما يشاؤون في الجنوب، ولو مؤقتا، عندما استجابوا ربما لضغوط سعودية، وربما أمريكية أيضا، ونقلوا “الوية العمالقة” التابعة لهم من الساحل الغربي الى جبهة مأرب، جنبا الى جنب مع قصف طائراتهم الجوية المكثف لمواقع القوات الحوثية على الأرض، وكانت هذه الخطوة خطأ كبيرا في رأي الكثير من المراقبين ونحن منهم.

ثبت بالدليل القاطع، ان الحوثيين عندما يهددون بالرد، يبادرون بتنفيذ تهديداتهم هذه، لانهم يملكون قرارهم، وهذا ما لم تدركه الحكومة الإماراتية، ولم يستوعبه مستشاروها، سواء كانوا عسكريين او سياسيين.
الامارات تظل دولة صغيرة، ولا تستطيع تحمل تبعات الغارات الحوثية بالمسيّرات او الصواريخ الباليستية، خاصة انها استطاعت ان تخترق معظم المنظومات الدفاعية الامريكية الباهظة التكاليف وصواريخها المتقدمة جدا، ومنظومات صواريخ “ثاد” الأكثر حداثة وفاعلية من نظيرتها “الباتريوت” وتتواجد في قاعدة “الظفرة” الجوية الامريكية في محيط العاصمة أبو ظبي.

اقتصاد دولة الامارات يقوم بالدرجة الأولى على الامن والاستقرار، لأنه اقتصاد عموده الفقري النفط والاستثمارات الخارجية والسياحة (دبي خاصة)، والحوثيون لم يخفوا ادراكهم لهذه الحقيقة، وتوظيفها في خدمة مخططاتهم الهجومية، ولو استمرت ألوية العمالقة في تقدمها في حرب مأرب، لنفذوا تهديداتهم بقصف معرض “اكسبو” الاقتصادي الدولي العملاق في مدينة دبي، وتعطيل حركة الملاحة الجوية في المطارات كليا، وهم اثبتوا انهم يملكون القدرة على ذلك.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يتمحور حول رد فعل “الشريك” السعودي على هذا “الانسحاب” الاماراتي الثاني من حرب اليمن، فمن المؤكد ان قرار الانسحاب من “معركة مأرب” سيتركها وحلفاءها في الميدان لوحدها، ولعل غياب الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي عن القمة الرباعية التي انعقدت يوم امس الأول في أبوظبي بمشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والشيخ محمد بن زايد ولي عهد الامارات، والشيخ محمد بن راشد قائد القوات المسلحة رئيس وزراء دولة الامارات، الى جانب العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى، احد الأدلة على غضب السعودية، ومعرفتها المسبقة بهذا القرار “الإنسحابي” الاماراتي.

مرة أخرى نكرر بأن مشاركة القوات التابعة للامارات في حرب شبوة ومأرب كان قرارا غير مدروس من جميع جوانبه السياسية والعسكرية والاقتصادية، وبعكس سوء تقدير لقوة “انصار الله” وداعميها (محور المقاومة بقيادة ايران)، والآن بعد ان جرى تصحيحه، وتقليص الخسائر، وإعادة الوية العمالقة الى “عرينها” غرب اليمن حسب البيان الرسمي، فإننا لا نستبعد مراجعة شاملة من قبل القيادة الإماراتية لتوريطها في الحرب في اليمن ربما نشهد تطبيقاتها في الأسابيع والاشهر المقبلة، بالإشارة الى تبنيها سياسة “تصفير المشاكل” وإصلاح العلاقات مع جميع خصومها والتركيز على الاقتصاد.

الحوثيون، اتفق البعض معهم او اختلف، باتوا رقما صعبا في الجزيرة العربية، ويبدو ان دولة الامارات ادركت هذه الحقيقة جيدا بعد ان شاهدت الصواريخ والمسيّرات تخرق اجواءها، وتصل الى اهدافها بضرب المنشآت النفطية و”حواف” المطارات، وتتجنب بقدر الإمكان ضرب المدنيين، خاصة ان القواعد الامريكية والفرنسية والبريطانية على أراضيها لم توفر لها الحد الادنى من الحماية، وهرول جنودها وخبراؤها الى الملاجئ ايثارا للسلامة، والمصير نفسه ستواجهه السعودية، والسعيد من اتعظ بغيره.. والأيام بيننا.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس