سام برس
عامان بعد الثلاثين من عمر اليمن الواحد..احتمل منها ثماني سنوات عجاف .. دمرت الوطن, وبقي الامل في الله, ثم في الناس, لا اريد ان اكرر ما ذكرته في هذه المناسبة الوطنيه العام الماضي او في الاعوام السابقه له..
ذلك ان تطور احداث مأساة وطننا ومخاطرها عليه تفرض علينا التنبيه لها بما أمكن.

لما إستعاد اليمن الواحد وحدته في ٢٢ مايو ١٩٩٠م كان يدرك بأنه سيتعرض للمؤامره عليه من شقيقته الكبري, فليست بعيده عنه الاعوام ٦٢- ١٩٧٠م إذ لم تندمل جروحها..ورغم ذلك بقيت الثورة والجمهورية.. بل وتوحد الوطن.

وبقي هذا الإنجاز العظيم شغلهم الشاغل, كيف يمكن إفشاله أو على الأقل إضعافه؟ فكانت ضربتهم الأولى عام ١٩٩٢م بمبرر موقف اليمن بشأن الحرب على العراق, وذلك بطرد أكثر من مليون مغترب بهدف إرباك الدولة اليمنيه الفتيه, ولم يتوقفوا..حيث تم لهم نسج خيوط الفتنة, ففي أعقاب إتفاق المصالحة في عمان, إتجهت اليهم قيادات يمنية لتحتضنها ولتدعمها بسخاء كبير, ووظفت دورها الخليجي والعربي والأممي ووقع ما وقع عام ١٩٩٤م ليحدث شرخا في جسد الوطن, وبقيت الوحده.. وأخذت الشقيقة الكبرى ثمن التهدئة لسنوات بإتفاق معاهدة جدة بشأن الحدود اليمنيه السعودية غير المنصف في يونيو عام ٢٠٠٠م.

ولما جاء عام ٢٠١١م بمتغير وطني تمثل بالإعتصامات الشبابيه في صنعاء وتعز.. وما وقع حينها من تطورات على النظام والسياسة, وخشيتهم أن تتسرب العدوى الثائرة اليهم..وبعد ان عاشت أحياء وشولرع صنعاء, ما وقع عليها من دماء وتضحيات خاصة في منطقة التماس في حي الزراعه وأحياء الجامعه بين القوتين الرئيسيتين في صنعاء, وتحولت مدرسة الفرات الى (مترسة الفرات).

إتجه الشعب بأصواته الى صناديق الإنتخابات الرئاسية رغم أنها كانت لمرشح واحد..أملا في النجاة بعد أن عشنا ما عشناه مما ترك أثره في نفوسنا وأرواحنا وأجسادنا.

وظهرت في الوطن بوادر وطنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والتوجه نحو بناء ديمقراطي يحقق للشعب ما يصبو اليه من حرية وعدالة ومساواة..ومن ذلك الإعلان عن الإصطفاف الشعبي, له هيئته العليا من كل المكونات الوطنية والتفت حوله جماهير من مختلف شرائح المجتمع, وقواه الخيره لتعبر عن نفسها على إمتداد شارع الزبيري من عصر وشارع الستين حتى باب اليمن, لا تحمل في أيديها أو على أكتافها أي صورة أو لافتة عدى ما هو في وجدانها من حب للوطن والوحدة وسعيا نحو النجاة.

ولعدم ثبات وصمود الدولة والرئاسة المنتخبة في وجه من إستولى عليها بقوة السلاح وإستدعاء الماضي البعيد, بفضل من أفسح لها مجالا للإنتقام..وليتحقق الطوفان في صنعاء وعدن, ليجد الوطن نفسه في وضع مأساوي, متجاوزا ما سمي بمبادرة خليجية وآليتها التنفيذيه, والمؤتمر الحواري ومخرجاته..وأعلنت الحرب من واشنطن بعاصفتها (بدون طلب) مستغلة شرارة ما وقع في صنعاء وفي عدن.

وإنفجرت البراكين في كل انحاء الوطن, ومنها في عطان ونقم..بالقنابل الارتجاجية والعنقودية..وتناثرت دماء وأشلاء اجسادنا في قاعات أفراحنا..وكان ما كان وحتى اليوم.

ورغم كل ذلك كانت شعرة معاوية دستوريا لم تنقطع على المستوى الداخلي والخارجي..من باب لعل وعسى..وأن العقل المعول عليه قد يسود لدى أطراف الصراع للجنوح الى السلام والوئام والأمن والإستقرار في ظل الوحدة الوطنية لليمن الواحد, وبحت أصواتنا ونحن ندعو للمصالحة والحوار فيما بين الأطراف المعنية والدعوة للإتجاه للسلام..والتمسك بكل خيوطه الأممية والدولية حتى ولو كانت من الأعداء لإنقاذ وطننا..فليس لنا إلا هو وليس له سوانا.

ولكن الاستجابة من الأطراف المتصارعه لم تحدث..وبقيت الحرب.. والذي حدث في السابع من ابريل من عامنا هذا ٢٠٢٢م في الرياض وعلى هامش ما سمي بالمؤتمر التشاوري, هو إنشاء مجلس القيادة الرئاسي وبهيئات تابعة له, ولم يعد مستغربا في وطننا المستباح أن تتخذ قرارات مصيرية تخص الوطن من خارجه, ولم يعد في الإمكان أكثر مما كان.. متجاوزين لكل ما شوه الخطوه وأثار اكثر من سؤال عليها تجاه دستورنا ووحدتنا, خاصة وقد ظهر لوطننا شقيقة صغرى تحبو نحو جزرنا وشواطئنا, تتنافس مع شقيقتنا الكبرى على من يكون له النفوذ الأكبر.. والمصالح الأكثر.. والكبار من الإفرنج والفرس يرنون الينا جميعا بماضيهم علينا..يجدونه يتجدد بأيدينا..فهل تعلمنا من الدروس طوال أكثر من عشر سنوات؟ وهل إستشعرنا أهمية حبنا لوطننا..؟ وأن تحضرنا المودة والرحمة فيما بيننا لأنه أصبح غير مستغرب تدخل الأخرين بيننا..وكالعادة علينا وليس من اجلنا.

هل ادركنا أن استمرار الحرب وبال علينا طالت السنوات أو قصرت؟ تتوسع بإستمرارها فينا رقعة الفقر والجوع والحاجة, وتتوسع فينا مساحة المرض والوباء في كبارنا وصغارنا, ويزداد فينا المعاقون والمشوهون, وتتوسع مساحات مقابرنا لشبابنا, وتغزونا ثقافة ليست من موروثنا الحضاري, وليست من مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف, تدمرنا من داخلنا وتغزوا أفكارنا وتطلعاتنا الواعية بمعارف العلم والحضارة..ويعشعش فينا وباء الكراهية والعنصرية والمذهبية والمناطقية.
يجب أن يعلم قادة الأطراف المعنية أن وطننا يمكنه أن يتحمل الكثير من ويلاتهم لكنه لن يتحمل التفريط في وحدته.

ولهذا لا مناص من ظهور الدور الشعبي (السلمي) الفاعل والضاغط, ولا مناص أن يكون لعامة الشعب كلمتهم إزاء وطنهم, وأن مصيره ليس لعبة أطفال.. يستبدلونها بلعبة أخرى متى ما ارادوا..وان علينا كشعب لليمن الواحد أن نعي قيمة الوحدة وقيمة السلام..وخطورة تشطير الحرب.

والله حسبنا ونعم الوكيل

حول الموقع

سام برس