بقلم/ أمير تاج السر
أثناء مرورنا في مواقع التواصل الاجتماعي، أو أي مواقع أخرى فيها من يهتم بالقراءة والكتابة، وحتى في يوتيوب، ذلك الموقع الكبير الممتلئ بكل شيء، نعثر على أقوال لأشخاص معروفين، رددوها في ما مضى غالبا في مناسبات معينة، أو نعثر على اقتباسات من كتب، تزيل باسم الكتاب الذين ذكروها في كتبهم، ويبدو الذين ينقلون كل ذلك، في قمة السعادة، أنهم شاركوا بشيء ذي قيمة.

صراحة ليس كل ما يقال أو يكتب جدير بالاعتداد به واعتباره مفخرة أو معرفة يتوجب الامتلاء بها ونقلها إلى الآخرين، خاصة تلك الأقوال التقليدية التي تقال في مناسبات معينة وينتهي تأثيرها في اعتقادي، بانتهاء المناسبات التي قيلت فيها. أيضا تلك التي تقال في أزمنة بعيدة تماما عن الحاضر، وبالتالي ثمة بون شاسع بين وقت إطلاقها وهذا الزمن.

بالنسبة للمقتطفات التي قد يلتقطها البعض من القصص والروايات وقصائد الشعر، فهذه في رأيي ليست متفقاً عليها بالضرورة، وتحدثنا كثيرا عن موضوع تذوق الأعمال الأدبية والفنية، وكيف يختلف من شخص لآخر، بحيث تجد أشياء تعجب البعض، وفي الوقت نفسه يعتبرها البعض الآخر، مجرد ثرثرة بلا معنى. ولعلنا جميعا نلاحظ هذا الكم الهائل من الاقتباسات من الروايات، نقرأه بشكل يومي، ودائما ثمة إحساس مني كقارئ، أنه يفرض علي بالرغم من أني قد لا أتذوق بعضه.

مثلا عبارة: سنرى يا شمس، أنت أم حبيبتي، المقتبسة قطعا من رواية، إنها عبارة عادية كلاسيكية، لم تضف لتذوقي شيئا جديدا، بينما هي بالنسبة للذي اقتبسها، ونشرها، تعني أشياء كثيرة، على الأقل تسعد ذائقته، وتجعله يركض بها بين صفحات التواصل الاجتماعي.

أيضا عبارة مثل: هل لا زلت هنا؟ إنه تساؤل أو سؤال ورد في نص ما، وكان له قطعا ما يبرره، وأيضا له إجابة بالتأكيد، حتى لو كانت إجابة مقتضبة، أو صامتة بهز الوجه، أو لا إجابة لكن سيصف الكاتب، كيف امتنع الشخص عن الرد وأدار ظهره للسائل ومضى. أما إيراده كمقتبس جميل فهو شيء غير منطقي، وأنا كقارئ لن أعبر بهذا النص المقتبس، من دون أن أتساءل: ماذا يعني؟

هنا بالتأكيد لا يعني شيئا، إنها جملة خالية من المعنى، لأنها وردت في هيئة سؤال بحاجة إلى إجابة.

وكنت سألت مرة أحد المهتمين بهذه الاقتباسات، ونشر جملة من إحدى رواياتي، لم تكن بالنسبة لي أكثر من جملة داخل رواية، تعطي معناها حين تقرأ داخل الرواية، سألته:

ما الذي أعجبك في هذه الجملة؟

قال لي كلاما

قد يقول أحدهم، إن رأيي كان مصادرة لرأي القارئ، الذي هو حر في اختيار ما يشاء ليقرأه ويقتبس منه.
وهذه حقيقة، لكن من حق أي شخص آخر أيضا أن يتساءل عن السبب في إعجاب القارئ بنص ما، وربما يكون هناك سبب غامض على القارئ إضاءته.

بالنسبة للقدم، وعودة بعض النصوص إلى زمن بعيد، لا يمت لهذا الزمن بصلة، ولا توجد ثمة حلقة من الوصال تصله به، فقد أعدت هذه الأيام قراءة مجموعتين قصصيتين للكاتب الروسي أنطون تشيخوف. طبعا من إنتاج القرن التاسع عشر، وتشيخوف من الذين يحظون بقدر كبير من احترام المقتبسين، حيث تتكرر كثير من جمله المأخوذة من داخل نصوصه القصيرة.

لا أذكر متى قرأت لتشيخوف آخر مرة، لكن قطعا منذ سنوات طويلة، أيام كنت أتأسس كقارئ لا كاتب، وهو وكل الكتاب الروس المخضرمين، أمثال ليف تولستوي وديستوفسكي، تمت ترجمتهم مبكرا، حيث كان الناس في وقت ما مغرمين بالاشتراكية، ويساهمون في نشر أدب روسيا. كما أن عددا كبيرا من العرب تلقى تعليمه العالي هناك، لكن قطعا لم تعجبني القراءة هذه المرة. أحسست بها بعيدة عن تذوقي الحالي، واستغربت لماذا تعاد طباعة أعمال قديمة جدا في هذا الزمن، ولا ينقصنا الأعمال بكل تأكيد، فنحن ننتج القصص والروايات بصورة تشبه إنتاج الخبز، ولدينا دور نشر تشبه المخابز كثيرا، حيث ترص الأعمال الأدبية في المطابع، وتلتقط ما «يتحمص» منها لتوزعه.

هذا بالتأكيد ليس انتقاصا من تشيخوف، فقد كان في زمنه كاتب عظيما، ولا الأدب الكلاسيكي كله، فقد استفدنا كثيرا منه، من أجل أن نتطور. إنما أردت أن أبين اختلاف التذوق بعد مضي زمن من التعرف على الكاتب، ولو منحت لكاتب معاصر قصة مثل «حال العمال» التي يصف فيها الكاتب تعاطف طبيب شاب مع فتاة مصابة بحالة نفسية، بالرغم من ثراء أسرتها، وامتلاكها لكثير من المصانع والأطيان، لربما كتبها بصورة أفضل. وصراحة لم أحس بأي دهشة أو إعجاب أثناء القراءة، وبحثت عن جملة تصلح اقتباسا لأرى كيف يحدث ذلك، فلم أعثر. كانت القصة كلها نصائح من الطبيب بضرورة الاسترخاء، والتنفس ببطء، وشد الغطاء جيدا أثناء النوم، وعدم الخوف من رؤية الكوابيس، وهكذا، كان الأمر درسا في الإيجابية بلا شك، لكنه لم يكن درسا في الإبداع.

في مقابل كل هذا، توجد اقتباسات حقيقية، اقتباسات ذات جدوى، معظمها من الشعر مما يدعم كلامي الذي أردده دائما، إن الشعر أكثر احتمالا للمأساة، ومحاولة ترميمها من النثر.

تمر علينا في الحقيقة اقتباسات من شعر لوركا، وآرثر رامبو، ومحمود درويش وعبد الله البردوني، والجواهري وسعدي يوسف، وغيرهم من الشعراء القدامى والمعاصرين، وهذه نتذوقها كلنا بكل تأكيد.

*كاتب من السودان

نقلاً عن القدس العربي

حول الموقع

سام برس