بقلم/ عبدالباري عطوان
هل سيُمثل الرئيس بوتين امام قضاة محكمة الجنايات الدولية كمجرم حرب؟ وكيف سيجلبونه.. مكبلا بالأغلال؟ ولماذا نراها أكثر “نكات” العصر “سماجة”؟

من “اسمج” النكت التي نسمعها هذه الايام، ولا تضحك أحدا، بما في ذلك الذين يقفون خلف ترويجها، اعلان محكمة الجنايات الدولية اليوم الجمعة، اصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمسؤوليته عن جرائم حرب ارتكبت في أوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي في شباط (فبراير) عام 2022.

وقالت المحكمة “المحترمة” في بيانها “ان بوتين مسؤول عن جريمة الحرب المتمثلة في الترحيل غير القانوني لسكان (أطفال) والنقل غير القانوني لهم من المناطق المحتلة في أوكرانيا الى الاتحاد الروسي”، نقول انها نكتة سمجة، لان لا روسيا ولا أوكرانيا، ولا حتى الولايات المتحدة من أعضاء هذه المحكمة، المعترفين بشرعيتها، او أي قرارات تصدر عنها، ولكنها، أي هذه المحكمة، تتخصص بالدرجة الأولى في “تجريم” و”مطاردة” كل خصوم الغرب والولايات المتحدة تحديدا، اما المجرمون الامريكيون، من مرتكبي جرائم حرب تقشعر لها الابدان، فهؤلاء “ابطال” في نظر القائمين عليها، وينامون مرتاحي البال، وفي قمة الاطمئنان، لانهم لن يتعرضوا لأي مساءلة قانونية او غير قانونية.

ومن مساوئ الصدف، اننا نعيش اليوم الجمعة الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق واحتلاله، وهو الغزو، وما سبقه من حصار تجويعي ظالم استمر أكثر من 12 عاما، وأسفر عن استشهاد مليوني عراقي على الأقل نسبة عالية منهم من الأطفال، واكبر المتورطين في هذه الجريمة من قادة وسياسيين مثل الرئيسين جورج بوش الابن والأب، وتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، وديك تشيني، وما زالوا وجنرالاتهم يتمتعون برغد العيش في مقرات اقامتهم الفخمة، ولم نسمع مطلقا، ان أي منهم ورد اسمه، وملفاته الدموية، في مداولات هذه المحكمة وأدبياتها، والقائمة تطول.

طبعا لا يمكن ان ننسى مجرمي حرب دولة الاحتلال وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو الذي ارتكب مجازر حرب في قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان، وكوفئ بإعادة انتخابه في الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ست مرات، ناهيك عن جنرالاته وعصابات دولته ومجازرها في حق الشعب الفلسطيني.

توجيه الاتهام الى الرئيس بوتين بإرتكاب جرائم الحرب يتطلب استدعاءه للمثول في قفص الاتهام امام قضاة هذه المحكمة “الدولية”، وفقا لبروتوكولاتها المؤسسة لها، والسؤال الذي نتمنى منهم الإجابة عليه هو كيفية القاء القبض عليه، ومن قبل أي قوات، تحقيقا لهذا الهدف، ام انهم، أي قادة هذه المحكمة، يتوقعون ان يأتي اليهم متطوعا على قدميه حفاظا على سمعته، وايمانا بعدالتها، واحتراما لهذه المحكمة النزيهة، وثقة بقضاتها واصرارهم على تنفيذ القانون؟

انها قمة “المسخرة” واحد أبرز فصول الكوميديا السوداء في العصر الحديث، وربما في كل العصور السابقة، فاذا كانت هذه المحكمة لم تستطع جلب أي متهم امريكي او أوروبي، او حتى غير صديق للغرب، فهل تستطيع جلب رئيس دولة عظمى مثل الرئيس بوتين؟

جميع مؤسسات النظام الدولي الحالي الذي تتزعمه الولايات المتحدة وتهيمن عليه، بما في ذلك الأمم المتحدة نفسها، مؤسسات فاسدة، فاقدة المصداقية، وليس لها أي علاقة بالعدالة والقانون الدولي، مجرد مؤسسات شكلية ينتفع من وجودها بعض العاملين الكبار المتكرشين فيها من ذوي المعاشات والامتيازات الضخمة، وتحت عنوان خدمة الفقراء والمسحوقين.

لا نعتقد ان قرارات هذه المحكمة ستقلق كثيرا الرئيس بوتين، او حتى تلفت انتباهه، ليس لأنه يملك 6500 رأس نووي وصواريخ اسرع من الصوت 14 مرة، وانما لأنه ينشغل هذه الأيام بمهمة عظيمة بالتحالف مع صديقه الصيني شي جين بينغ لإنهاء العصر الأمريكي الظالم وأنظمته، ومؤسساته، وبناء نظام عالمي جديد ينحاز الى المظلومين على انقاضه.. او هكذا نأمل ونتمنى.

المصدر: رأي اليوم

حول الموقع

سام برس