بقلم/ حسن مدن
قبل نحو خمس سنوات أطلقت بريطانيا ما وصفته بحملة مكافحة الوحدة والعزلة الاجتماعية، متعهدة «بدعم عملي وعاطفي»، خاصة لكبار السن والشباب المعاقين. يومها قالت رئيسة الحكومة، آنذاك، تيريزا ماي: «بالنسبة للكثيرين، الوحدة هي الحقيقة المحزنة للحياة الحديثة»، واستشهد المسؤولون الإنجليز بدراسات استقصائية تشير إلى أن أكثر من تسعة ملايين شخص «دائماً أو غالباً ما يشعرون بالوحدة»، في حين أفاد حوالي 200 ألف من المسنين بعدم إجراء محادثة مع صديق أو قريب لأكثر من شهر.
وقالت دراسة، إن من يصلون إلى 85 في المئة من البالغين المعاقين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً قد أعربوا عن شعورهم بالوحدة، ونسب إلى مسؤول في إحدى المؤسسات الخيرية المعنية بمساعدة كبار السن قوله إن «الوحدة يمكن أن تقتل»، ولعل هذا ما حدا بالحكومة البريطانية، في حينه، لتعيين وزيرة لشؤون الوحدة، بهدف مساعدة من يعانون منها، ودمجهم في محيط اجتماعي يتفاعل معهم ويتفاعلون معه.
مثل بريطانيا فعلت ألمانيا في فترة ولاية المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، حين دعا عدد من أعضاء الحزب المسيحي الديمقراطي، حزب ميركل، لتعيين مفوض رسمي لملف الوحدة والعزلة، على أن تبادر العاصمة برلين باتخاذ هذه الخطوة نظراً لنموها وعيش ملايين من الناس بها، حتى أن المدينة وصفت ب «مدينة العزلة»، ووفقاً لاستطلاع أجرته الحكومة الفيدرالية يعاني 15% من الألمان الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و84 عاماً من «الشعور الشديد بالوحدة»، كما قفزت النسبة إلى 59% لدى بعض الفئات العمرية بالتحديد؛ حيث شعر واحد من كل 4 مراهقين بالوحدة.
من النصائح التي يقدّمها علماء النفس للتغلب على العزلة: «قضاء الكثير من الوقت خارج المنزل، والمشاركة بأنشطة جماعية مختلفة، ومحاولة الانخراط في الحديث مع الدوائر المحيطة به كزملاء العمل أو الجيران أو البائعين في السوبر ماركت واستشارة الطبيب إذا بلغ الشعور بالوحدة لدرجة كبيرة».
لكن يتعين التفريق بين نوعين من الوحدة أو العزلة: واحدة اختيارية وثانية إجبارية، والفرق بينهما كبير. لعل أبلغ وصف للوحدة الاختيارية هو ذاك الذي قاله نيكوس كزنتزاكيس على لسان بطل روايته «زوربا»: «من الأفضل الانقطاع عن الأحبة مرة واحدة، والعودة إلى الوحدة، وهي جو طبيعي للإنسان»، وكذلك ما قالته الأديبة والمخرجة الفرنسية مارجريت دوراس: «أنا أوجدت عزلتي؛ لأنني قررت أنه عليَّ أن أكون وحيدة؛ أن أبقى بمفردي من أجل الكتابة». هنا تبدو العزلة ليست هروباً، وإنما خيار واعٍ، ولكن الأمر في حال «مدن العزلة» مختلف كلياً. نحن إزاء وحدة إجبارية موحشة يجد الكثيرون أنفسهم ضحايا لها.
[email protected]
نقلاً عن الخليج