بقلم/ عمرو سعد
تشهد الأيام الجارية حراكاً دبلوماسياً رفيع المستوى من القوى الدولية "الغربية" في مقدمتها واشنطن ولندن لبحث السبل الدبلوماسية لخفض التوتر الأمني التي تنفذها جماعة الحوثي في البحر الأحمر. تأتي هذه الجهود الدبلوماسية بعد عملية عسكرية بدأتها كلا من واشنطن ولندن ضد جماعة الحوثي بشن ضربات عسكرية ضد مواقع الجماعة في مناطق عديدة في اليمن.
حراك دبلوماسي دولي
ففي سياق تكثيف الجهود الدولية و"الغربية" لمحاولة الضغط على جماعة الحوثى ، زار وزير الخارجية البريطاني مسقط في زيارة هي الرابعة منه الى الشرق الأوسط منذ توليه منصبه في نوفمبر الماضي. وتبحث الزيارة سبل عدم توسيع دائرة الصراع في الشرق الأوسط، وخفض التصعيد في المنطقة المشتعلة، حسب تصريح الوزير على منصة اكس، حيث ناقش الجانبان سبل تعزيز الامن في المنطقة، سيما الحرب في غزة والتوتر الأمني في البحر الأحمر بحسب بيان الخارجية العمانية.
وفي ذات السياق تبرز الجهود الفرنسية لبحث الوضع الامني في المنطقة لا سيما الملاحة في البحر الأحمر، عبر مكالمة هاتفية اجرتها السفيرة الفرنسية لدى اليمن "كاترين قرم كمون" مع وكيل وزارة الخارجية العمانية للشؤون السياسية الشيخ خليفة الحارثي، حسب تصريح الوزارة العمانية.

كما تبحث واشنطن اكهي الاخرى عن مخرج من الوضع المتأزم في البحر الأحمر، حيث زار وزير خارجيتها القاهرة لمناقشة الاستقرار الإقليمي ووقف تهديدات الحوثيين لأمن البحر الأحمر، حسب تصريح الوزير.
ما يشير الى تعاظم الجهود الغربية لخفض التصعيد العسكري لجماعة الحوثي في البحر الأحمر، اتساقا مع تعاظم الأخطار الكبيرة المحدقة التي تسببت بها الهجمات الحوثية على المصالح الغربية و"الإسرائيلية".
ففيما تعددت الاتصالات والمحادثات بين الأطراف الدولية ومسقط في الأيام القليلة الماضية، اذ تفيد الخارجية العمانية بقولها: "تركز الاتصال على التداعيات التي تشهدها المنطقة وجهود خفض التصعيد، واحتواء توسع النزاعات الإقليمية والدولية".
تأتي هذا الحراك الدبلوماسي الغربي لبحث تهدئة التوترات الامنية في البحر الأحمر في خضم تحرك عسكري بريطاني أمريكي على رأس تحالف دولي لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر بتوجيه ضربات عسكرية لجماعة الحوثي. حيث يرى مراقبون انها عودة خائبة من لندن وواشنطن من الخيار العسكري الى الوسائل الدبلوماسية، اذ تعد محاولات يائسة من الغرب لتلافي الخطر لكنها لا ترقى الى مستوى تصحيح الخطأ المتمثل بالتصعيد العسكري الغربي بتنفيذ ضربات على مواقع جماعة الحوثي في اليمن.

قلق صيني وجهود حثيثة
لم تكن الجهود الدبلوماسية مقتصرة على الجانب الغربي من العالم اذ صعد التنين الصيني مبكراً مرسلا مستشار وزير وزير خارجيته الى طهران -هذه المرة- لحث الجانب الايراني على الضغط على جماعة الحوثي بإقاف التصعيد العسكري في طريق الملاحة.
يقول مسؤول إيراني مطلع على المحادثات: "بشكل أساسي، تقول الصين ’إذا تضررت مصالحنا بأي شكل من الأشكال، فسيؤثر ذلك على أعمالنا مع طهران. لذلك اطلبوا من الحوثيين ضبط النفس’".
وكان في 14 يناير/كانون الثاني، قد دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى وقف الهجمات على السفن المدنية في البحر الأحمر والحفاظ على سلاسل الإمداد والنظام التجاري الدولي، دون أن يأتي على ذكر الحوثيين أو إيران.
حيث تسعى بكين بدبلوماسية عالية الى تجنب الاضرار الاقتصادية الناتجة عن هجمات جماعة الحوثي على سفن التجارية في البحرين العربي والاحمر. وسبيلها لذلك هو التوجه الى طهران للتشاور ومحاولة الضغط هناك لتهدئة جماعة الحوثي.
حيث تبين موقف الصين من الوضع، اذ انه وبحسب صحف إيرانية فقد حاول الصينيون الضغط على الإيرانيون من أجل ايقاف هجمات الحوثي في البحر الأحمر، موظفة في ذلك العلاقات الاستراتيجية المتينة بين بكين وطهران، الا انه على كما تفيد مصادر ايرانية مطلعة على المباحثات لم يكن من السهل على بكين دفع طهران لإيقاف التهديدات العسكرية التي يتبناها الحوثي في البحر، نطراً لارتباط المسألة بعدد من الملفات الساخنة في المنطقة، أبرزها الحرب في غزة والضربات المتبادلة بين واشنطن وطهران في العراق وسوريا.. الخ.

وبالرغم من التفهم الكبير من الإيرانيين للموقف والقلق الصيني الا ان مسألة ايقاف التهديدات العسكرية لم تنجح، ولذا فإن الصين كذلك تتقبل هذه الحقيقة على مضض، وفق محددات معينة ومتفق عليها. وبالنهاية سيولد هذا رأياً دولاياً بارزاً بشأن إيقاف الحرب الإسرائيلية الاجرامية على قطاع غزة، متوافقاً مع الرؤية التي تتبناها دول المنطقة تجاه التوترات الامنية في البحر الاحمر وعلاقة السببية بالحرب الاسرائيلية على غزة. وهو ما تؤيده بشدة جماعة الحوثي وطهران، وكان قد أفصح عنه الجانب الصيني في تصريح سابق لناطق الخارجية الصينية بقوله "التوتر في البحر الاحمر امتداد للحرب في غزة".

جدوى الخيار العسكري؟
لم يتأخر تحرك واشنطن ولندن لمساندة مرور الملاحة الاسرائيلية في البحر الاحمر، منذ بدء هجمات جماعة الحوثي على الملاحة الاسرائيلية في البحرين الاحمر والعربي، ولم يتأخر كذا الخيار العسكري فقد حشد الغرب قواه الدبلوماسية لاستصدار قرار من مجلس الامن يدين عمليات الحوثي في البحر الاحمر في 10 يناير 2024م، ولم تنتظر واشنطن ولندن عن الشروع بالعمل العسكري ضد الحوثيين اذ نفذت القوات الامريكية البريطانية عدد من الضربات (يزيد عن 87 ضربة) في أكثر من 20 موقع منذ 12 يناير 2024م.
وبعد حوالي شهر على بدء الهجمات العسكرية التي بدأتها واشنطن ولندن في اليمن، يدو ان الخيار العسكري لهما بدأ يتأرجح، فخلال هذه الضربات العسكرية لم يظهر أي تأثير على قدرات الجماعة بل ان الجماعة زادت عناداً وتوعدت بزيادة استهداف السفن في البحر الأحمر! اذ يرى المحلل السياسي والعسكري الأمريكي "جون هوفمان" ان الضربات الدقيقة الأمريكية ضد اليمن، رغم كل التقنيات المدهشة، تشبه "طحن الرمل"، حيث يتضاءل تأثيرها وتُستغل في الدعاية لتظهر أمريكا أضعف بدلًا من كونها قوية، ومثالية.
وبالتالي فإن التقييم الحالي للبيت الأبيض والتدابير التي تتخذها لمنع الحرب والتي تؤكد للعامة أن كلا الطرفين لا يريدانها، قد يوفر ظروفًا مغايرة وسوء تقدير والذي قد يؤدي إلى اندلاع الحرب.
كما ان اللجوء الغربي الى الخيار الدبلوماسي، لن يكن أسهل من اتخاذه قبل البدء بعملية عسكرية ضد الحوثيين، فمع التدخل العسكري المباشر لواشنطن ولندن واتخاذ التوترات منحى تصعيديا لافتا، أعلن الحوثي أنه بات يعتبر كافة السفن الأمريكية والبريطانية ضمن أهدافها العسكرية.
خصوصا وقد فتحت العديد من الجبهات في الشرق الأوسط، بصورة أظهرت ان الأمور تزداد تعقيدا وتشابكاً يصعب معه الوصول الى الحلول. وان السؤال المهم كما يرى "ديفيد باتر" الخبير الاستراتيجي في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هو “قدرة إيران على فرض رغبتها على الحوثيين الذين يمتلكون أجندتهم الخاصة، ويريدون استغلال هجماتهم الحالية في البحر الأحمر لتحقيق مكاسب داخل اليمن في صراعهم مع القوات الحكومية اليمنية".
حيث بدأ الخيار العسكري لقوى التحالف الامريكي البريطاي بالتأرجح، فقد أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، الاربعاء (28 يناير) عن عجز قواتها البحرية عن استهداف مواقع عسكرية لجماعة الحوثي واقتصار قدراتها العسكرية البحرية المتاحة على محاولة التصدي لهجماتها الصاروخية وطائراتها المسيرة، ما اعتبره جنرالات بريطانيون بمثابة "اعلان رفع الراية البيضاء".
في الوقت الذي ، تزداد فيه هجمات الجماعة ولم تتقلص على الأقل، اذ تستهدف الجماعة السفن بشكل شبه يومي، بين سفن تجارية وبوارج حربية بما في ذلك الأصول الامريكية والبريطانية، في سياق الرد على الضربات التي تتعرض لها الجماعة. حيث ان رد الجماعة كان الأسرع خلال الضربة الأخيرة يوم السبت 2 فبراير 2024م
وفي ضوء كل ذلك، يبقى التساؤل حول ما إذا كان لدى الجانب الغربي اي نوايا لخفض التصعيد المتواتر في الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، كنوع من التعامل الجدي مع المحركات الرئيسية للهجمات العسكرية المتصاعدة في البحر الاحمر.. ام انه سيستمر بعناده وبدعمه الاحمق للكيان الاسرائيلي .. والذهاب بعيدا بتصعيده العسكري في اليمن دون اكتراث لخساراته الفضيعة؟

حول الموقع

سام برس