بقلم/ هيثم الحاج على
عملت منذ عام تقريبا على مشروع بحثي يتعلق بالترجمة في عصر محمد علي، وحين طالعت المراجع المكتوبة في تلك الفترة هالني كم الأسماء الكبير التي حققت إنجازات كبيرة في مجالات متنوعة، منها أسماء سافرت ضمن البعثات التي أوفدها محمد علي إلى أوربا وعادت لتؤسس مسارات مصرية خاصة كل في تخصصه مثل عثمان نور الدين ومحمود الفلكي ورفاعة الطهطاوي وغيرهم ومنهم من تعلم في مصر خصوصا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدأ مساره العلمي أو الفني أو المهني فيها ليصبح إنجازه مصريا خالصا مثل الدكتور نجيب محفوظ ونبوية موسى وأبو العلا محمد وغيرهم ممن لمعت أسماؤهم في بدايات القرن العشرين.
ويضاف إلى هؤلاء مجموعة كبيرة من العلماء الذين ظهرت أسماؤهم في النصف الثاني من القرن العشرين مثل الدكتور علي مشرفة والدكتورة سميرة موسى وغيرهم، آلاف من الأسماء الذين أسهموا ليس فقط في نهضة هذا الوطن وتطوره بل عن كثيرا منهم من له إنجازات على مستوى تطوير التخصص على مستوى العالم، وهو ما يعد إسهاما في الحضارة الحديثة لا يمكن الاستهانة به.
لكن الملاحظ أن الشعوب التي قدمت لهذه الحضارة نفسها عددا أقل أو إسهاما أضعف تحتفي بأسماء علمائها وتحرص على تذكرهم وتذكير الأجيال الجديدة بهم بكل شكل ممكن، في حين أننا نهمل تذكر هؤلاء العظماء وإنجازاتهم الباقية معنا على الدوام، وحتى إن تذكرناهم فيكون ذلك بصورة تقليدية لا تتعدى إصدار طابع بريد لم يعد يستعمل أو إطلاق اسم أحدهم على مدرسة، فقط دون أي زيادة، أو حتى جعل بعضهم جزءا من مقرر دراسي باهت قليل المعلومات سرعان ما ينساه الطلاب بعد اجتياز الامتحان.
وتبقى بعد ذلك بعض هذه الأسماء مشهورة بأشياء ليست هي الأهم في حياتها، مثل أن يكون الأشهر حول سميرة موسى هو واقعة اغتيالها، فنذكر عن موتها أكثر بكثير مما نذكره عن حياتها أو أعمالها، أو نذكر عن الدكتور مشرفة إطراء أينشتين عليه ولا نعرف لماذا بالتفصيل، بل إن كثيرا من أبنائنا يعرفون الدكتور أحمد زويل بجائزة نوبل وقد لا يعلمون السبب في حصوله عليها سوى بكلمة واحدة هي الفيمتو ثانية دون معرفة تتجاوز ذلك إلى أهمية ذلك الاكتشاف وتدشينه لمفهوم العلوم البينية مثلا.
هذه الأسماء السابقة ربما تكون هي الأشهر في ذلك المجال وعلى الرغم من امتلاك مصر لآلاف الأسماء فإن المعروف منها قليل على الرغم من أن هذه الأسماء تحديدا تمثل جزءا مهما بل ربما هو الأهم في تاريخ مصر المعاصرلأنها تمثل التأثير المصري الحقيقي الممتد في البشرية المعاصرة وهو الأمر الذي يستتبع حين تذكرها الإحساس بأهمية الدور المصري في تلك الحضارة.
هو لغز حقيقي يكمن حله فيمن أو ما فعل ذلك بذاكرتنا متعمدا أو منجرفا وراء تيار يحاول إخفاء هذا الجزء من ذاكرة مصر الصلبة الحقيقية، لكن هذا اللغز لن يتم حله فعليا سوى بخطة عمل واضحة تستهدف بناء وعي حقيقي لأبنائنا ليعرفوا ما الذي فعله آباؤهم وأجدادهم وليتم بناء ثقتهم مرة أخرى في أنفسهم وفيما يستطيعون فعله.
في لقاء مع الصديق الإعلامي د. محمد الباز في برنامج الشاهد، تحدثنا حول أهمية فكرة الآباء المؤسسين في التأسيس للشخصية المصرية المعاصرة، كما أبدى أمله في تحويل المقالات التي تتحدث عن هذه الشخصيات إلى برنامج تليفزيوني، لكي يصل إلى أكبر عدد ممكن من أبنائنا.
لعله حلم لكنه ليس بعيد المنال.
نقلاً عن اليوم السابع