بقلم/ احمد الشاوش
أندلعت قبل فترة حرب النفايات والمنشورات وهي المعركة الالطف والأكثر اثارة وندارة واقل ضرراً بين الكوريتين ، حيث أرسلت كوريا الجنوبية مجموعة من الناشطين في 13 مايو الماضي ، أطلقوا 20 بالوناً تحتوي على منشورات دعائية ضد كوريا الشمالية ، الهدف منها تحريض شعب كوريا الشمالية على قلب النظام ، وهو ما استنفر كوريا الشمالية الى ارسال " نفايات " في مواد بلاستيكيه طائرة من باب السخرية.
سمعنا عن حروب الصليب والاسلام ، وحرب داحس والغبراء ، والصراع بين الديمقراطية والاستبداد ، والحرب العالمية الاولى والثانية وحرب الخليج بين إيران والعراق وتحرير الكويت وتدمير ليبيا ، ورغم تلك القصص الصادمة ، الا ان السخرية السياسية والاستهتار بين الكوريتين ، يعكس صراع من نوع آخر بلا باروت ولا سموم ولا فيروسات ولا أسلحة دمار ، رغم ان أول الحرب كلام .
قرأنا عن سباق التسلح والحروب الالكترونية وحروب الجيل الخامس والحرب الساخنة والباردة ، ورغم ذلك لم يستخدم الكوريون السلاح النووي حتى اللحظة وانما أكياس القمامة والمنشورات المضادة رغم أستعداد الكوريتين للاحتمال الاسوأ ، بينما " العرب وإيران " ، الذين يعيشون على رقعة واحدة من الارض كل منهم يتربص بالآخر على حساب التنمية والازدهار ، ولو حصل كل منهم على أسلحة الدمار لاحرق العالم على معتقد منتهي الصلاحية أو تحت وهم وهذيان الزعامة والبطولة والانتصارات الزائفة ، وما حرب الخليج الاولى والثانية إلا مثال على فقدان نعمة العقل والتجرد من الضمير والقيم وانتعاش ثقافة المؤامرة والتخوين والموت.
كما ان حرب الجاهلية بين فرعين من قبيلة غطفان ، هما عبس وذبيان وحرب البسوس وحرب الفجار ، تحمل نفس الثقافة والمرض والعقلية المغرورة التي لم ترتق الى منطق العقل والحكمة والمعرفة وقيم الحرية والتسامح والتعايش مع الآخر وبناء السلام والازدهار ..
ورغم تلك القصص والحروب الطريفة مازلنا مندهشين من ضحكة الفنان اسماعيل ياسين وشيطنة محمود المليجي وخفة دم توفيق الدقن ، وحلاوة سمير غانم وجاذبية عادل امام واغراء نادية الجندي، لكن سيناريو شقيقة رئيس كوريا الشمالية تحت عنوان "حرب النفايات " هو الاكثر اثارة ودهشة في وسائل الاعلام الدولية قبل فترة.
قرأنا عن الحروب النووية والجرثومية والكيمائية وانفلونزا الخنازير وجنون البقر والغجر وأنتشار كورونا ، لكن الطريف في الامر ان شقيقة زعيم كوريا الشمالية كيم يو جونغ ، خاضت حرباً ديمقراطية ونفسية وبيئية ، حيث وصفت إرسال أسراب من بالونات بلاستيكية تحمل "نفايات من ورق " الى اجواء شقيقتها الجنوبية بـ "حرية التعبير" ، رغم انها تحمل اكثر من رسالة وتُمثل قمة السخرية.
حرب النفايات الساخرة والدعاية القاتلة هي معركة مستفزة ومقلقة وأقل ضرر وتكلفة للقادة والسلطة والمجتمع الكوري ، وأجمل مافي هذه الحرب العجيبة ان ازرارها النووية واسلحتها الجرثومية وصواريخها الباليستية لدى مجموعة من العقلاء ، بينما لو كانت لدى " العرب والايرانيين " ، لحولنا العالم الى اطلال وجحيم بسبب خلاف بسيط بين القادة والولاءات الضيقة وزعامات كاذبة وأفكار ومذاهب هدامة وما حدث من دمار ومآسي ودماء وخراب بيوت في الكويت والعراق وسوريا وليبيا وتونس ومصر والسودان واليمن ولبنان وفلسطين والجزائر خير شاهد على الاستبداد والطغيان والعبودية وغياب العقل والوعي والحكمة وفقدان التوازن والاتزان ، بدلاً من التوصل الى كلمة سواء تؤسس للاستقرار والسلام والرفاهية ..العالم صعد الى القمر وغاص في أعماق البحار والمحيطات وعمل على بناء الانسان وإيران والعرب والمسلمين مشغولين بمعارك معاوية وعلي والسقيفة والخلافة والولاية والاساطير والخرافات وثقافة الموت رغم ان تلك المذاهب السياسية والدينية لا تتماشى مع العلم وروح العصر والعقل الناضج خصوصاً بعد ان تم برمجة بعض القطيع بالاساطير لدى كافة المشارب والتيارات السياسية اللاهثة وراء السلطة في كل مكان .. فهل من رجل رشيد؟.
[email protected]