بقلم/ يحيى يحيى السريحي
ثلاثي مصادر الولاء والانتماء للوطن التي يتشربها الانسان في أي مجتمع من المجتمعات تنحصر في ثلاث مصادر أولها الأسرة وهي النواة الاولى لولادة الفرد ونشأته وطفولته ، فالاسرة تمثل اللبنة الأولى التي يرضع فيها الانسان حب الوطن فطريا بحكم الولادة ويربى على الولاء للوطن منذ الصغر ، ثم يأتي ثانيا دور المدرسة ومراحلها المختلفة حتى الجامعة ، ويلقى على كاهل العملية التعليمية الدور الاكبر والمتمم لدور الاسرة في نضج الانسان فكريا وتعليميا وانتماء وطنيا ، وأخيرا تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة عطاء الفرد لوطنه ونفسه وهي مرحلة حصاد المرحلتين السابقتين للاسرة والتعليم ( مرحلة العمل ) ، والعمل أو الوظيفة هو جوهر هذا المقال والغاية منه ، ولا أظن أن هناك من يخالف الاتجاه القائل أن العلاقة بين المواطن ووطنة يعمقها ارتباطا أو فتورا مسألة العمل لأنه المصدر الاخير الذي يحدد علاقة الانسان بوطنة ثم بكل شيء من حولة ، كما لا يختلف اثنين أن من حق كل شخص في اي مجتمع من المجتمعات التمتع بعمل لائق يحفظ له كرامتة ، وان عدم تمكن الانسان من العمل اللائق يشعره بالظلم بل وبالغربة في وطنه ، فمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع الموظفين والعاملين من الدين بل هو مرتكز اساسي من مرتكزات الدولة العادلة والقوية ، فشعور الانسان بالدونية وبأنه مضطهد ومستغل في العمل وأنه ينزف تعبا من أجل الفتات والذي لا يسد رمق عيشه واسرته لبضعة ايام فقط من الشهر ، بينما غيره أقل منه خبرة وعلم ومجهود في وضع مالي ووظيفي أحسن منه بكثير نتيجة المحسوبية والوساطة ينعكس ذلك سلبا على الموظف وعلاقته بالعمل والاخلاص له ، وهو ما يؤثر بعد ذلك على عدم رغبة الموظف والتواصل بشكل مريح مع محيطه سواء في بيئة العمل أو خارجه.

ومن المهم التوقف عند أهمية العمل في تحديد علاقة الفرد بذاته ، فالعمل حينما يتسم بالتمييز والتفرقة يعتبر بيئة عمل غير لائقة ويجعل من الموظف في حالة توتر وخصومة مع نفسه وبالتالي مع الآخرين ومحيطه الاجتماعي ، مما يجعل من أولئك الذين يشعرون بالغبن والتفرقة قنابل موقوتة قابلة للانفجار أو عرضة لتوظيفهم لصالح أجندات خارجية ، ومما يزيد في القلب غصة ترك بعض الموظفين مهمشين بدون عمل (وهو ما يعرف بالبطالة ) وأغلب حالات البطالة المقنعة والتهميش المتعمد تكون من نصيب ذوي الضمائر الحية ، والمخلصين في اعمالهم من أصحاب الكفاءات والشهادات العلمية ..

إن الشعور بالمهانة نتيجة التهميش المتعمد له أثره الخطير على الموظف والمجتمع والوظيفة العامة سيما إذا ما طالت فترة البطالة وكثر الظلم على الموظف ، وأوصدت أمام تلك الكفاءات أبواب العمل اللائق والمناسب لخبراتهم ومؤهلاتهم .. فإذا كانت من مقتضيات الوطنية القيام بالواجبات والمسئوليات بكل أمانة وصدق ، فإن المساواة بين الموظفين من أهم أسس المواطنة في الإسلام ، وهي من أهم الدوافع التي تعمق الولاء للوطن ولقيادته ، وهي كذلك أحد الأسس الجالبة للأمن المجتمعي والنجاة من الفتن .. إن تطبيق مبدأ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات واحترام انسانية الانسان ، وتقدير ذوي الكفاءات واصحاب الشهادات والخبرات العلمية والعملية ووضعهم في وظائف تليق بهم عامل رئيسي لتقدم الوطن ومحبته والافتخار به ، وصيانته والدفاع عنه ، والحرص على سلامته ، واحترام ومحبة أفراد المجتمع بعضهم البعض  .

حول الموقع

سام برس