بقلم/ طارق فهمي
بالرغم من استخدام القوة العسكرية لحسم الصراعات في الشرق الأوسط، وفي مناطق أخرى من العالم مثل تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية، والمواجهة الصامتة بين حلف «الناتو وروسيا والصراعات المكبوتة في جنوب شرق آسيا، فالواقع يشير إلى أن الحسم، وإنهاء الصراعات بصورة أو بأخرى لم يعد مطروحاً في أصوله بدليل ما يجري في الشرق الأوسط، حيث أوشكت الحرب في غزة على الانتهاء عسكرياً بفعل القوة الإسرائيلية الهائلة التي استخدمت طوال الـ11 شهرا ًالماضية دون حسم ما يمكن أن يحدث في اليوم التالي لوقف الحرب. كما تصاعدت المواجهات في الضفة الغربية، وانتقالها إلى جنين ونابلس والقدس، ما يؤكد ليس فقط مسعى الحكومة الإسرائيلية إلى استمرار المواجهة بشمال الضفة، وإتمام التحوّل من أزمة غزة، إلى أزمة أخرى بالضفة، حيث الصراع الأكبر.
تبدو التطورات ماضية في سياقات المواجهة التي تراها إسرائيل ذاهبة إلى خيارات غير صفرية، ما يؤكد أن القوة ستظل إطاراً دافعاً نحو خيارات محددة، ما يدفع بصورة أو بأخرى لرسم شرق أوسط جديد، ترى إسرائيل أنه يمكن أن يطرح بعد أن تنتهي مواجهات الإرهاب وفقاً لتوصيفها من الذين يريدون إنهاء إسرائيل من الوجود، وهو ما ستتعامل معه إسرائيل بحذر من أجل تأمين وجودها وحدودها. والأمر الذي ينبغي وضعه في الاعتبار أن صراعات الشرق الأوسط - وفي مجملها - ستمضي في سياقات محددة مثلما هو الوضع الجاري في الحالة الليبية التي انفتحت على مشاهد عدة، وسيناريوهات مختلفة، ما قد يؤدي إلى بقاء الأمر على ما هو عليه منذ سنوات طويلة ممتدة، وهو ما ينطبق على مسارات الأوضاع في السودان.
ولا شك في أن الأزمة اليمينية نموذج لاستمرار الصراع، وعدم حسمه في الإقليم، بل أصبحت له امتداداته الإقليمية والدولية في البحر الأحمر وباب المندب، وصولاً إلى الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، ما يؤكد أن الحرب ممتدة بصور أو بأخرى، ما يدفع إلى استراتيجية مفتوحة على سيناريوهات متعددة. في هذا السياق ستكون صراعات الشرق الأوسط ممتدة على نطاقاتها الإقليمية والدولية بدليل تعدد مسارح العمليات وتنوعها، ولكن - ومع استدعاء القوات الأميركية في الإقليم - فإن ما سيجري من خيارات سيكون مدفوعاً بحسابات كبرى، وتقييمات عسكرية تدفع بتركيز القوة الأميركية في الإقليم بحثاً عن مصالحها، وتخوفاً من أي رد فعل إيراني في المقام الأول، أو بتحريك وكلائها خاصة «حزب الله»، والتيار «الحوثي» عند الضرورة، ما يؤكد أن الخيارات كلها قائمة على الحل العسكري في معادلة تحرك البحث عن خيارات عسكرية، وليست سياسية، وعلى اعتبار أن الصراع انفتح على مشاهد مختلفة أهمها وأخطرها العمل على الخيارات العسكرية، وليست السياسية، ما يؤكد أن مناخ الخيارات السياسية لم يعد مطروحاً، وإن تُعُومِل معه من أجل التأكيد على وجود فرص أخرى، في حين تعمل القوى الرئيسة على المواجهة بدليل أن الولايات المتحدة لا تزال تعمل على كل الخيارات التفاوضية في أزمة غزة، ولن تفرط في فكرة الحوار السياسي والتفاوض من أجل التوصل إلى خيار محدد وممكن، في إطار ما يطرح من أولويات خلال الفترة المقبلة، وبصرف النظر عن الانتظار لمآلات الانتخابات الرئاسية، واحتمالات أي تغيير متوقع أياً كان، وهو ما سيلقي بتأثيراته على العالم كله، وليس فقط في الشرق الأوسط.
الإدارة الأميركية - أياً كانت «ديمقراطية» أو «جمهورية» - ستعمل في سياق من الحسابات الصعبة، سواء في الأزمة الرئيسة في الإقليم أي حرب غزة، ومستقبل الضفة، ومروراً بإقرار خيار التهدئة في البحر الأحمر، وتسكين الأزمة إلى حين مع إيران في حال استيعابها في الفترة المقبلة، من خلال مقاربة البرنامج النووي، والدخول في مقاربات أشبه بالمقايضات السياسية المباشرة، والتي تعمل في اتجاه واحد، ما يؤكد أن الصراعات الكبرى في الشرق الأوسط لا تختلف كثيراً عن الصراعات في مناطق أخرى من العالم بما فيها الصراعات الساكنة، والتي تدور حول طرف رئيس دولي وأطراف فرعية، إلى جانب أطراف أخرى تعمل في مساحات متعددة، ما يؤكد احتمالية ألا تشهد مناطق الصراعات بما فيها الشرق الأوسط حلولاً توافقية، ما قد يؤدي إلى حلحلة بعض الأزمات بالفعل. عالم السنوات القادمة، ومع إدارة أميركية جديدة، أياً كان توجهها لن يختلف كثيراً عما يجري، وإنْ كانت حدة المواجهات في بعض الصراعات، ومنها ما يجري في الشرق الأوسط سيكون مدخلاً خطيراً لمزيد من الصراعات الجزئية والمرحلية.
*نقلاً عن "الاتحاد"