بقلم/ سمير رشاد اليوسفي
إنه موسم الهجرة إلى نيويورك مرة أخرى. الرئيس رشاد العليمي يهبط في المدينة الصاخبة، محاطًا بمرافقيه ووعوده. المرة المائة؟ الألف؟ من يدري. الأمر الوحيد الثابت هو أن وفودنا تصل، تتحدث، وتعود بأحلام جديدة لم تنضج أبدًا. نيويورك، يا لها من منصة مثالية لخطابات رنانة عن وطن، نصفه تحت الأنقاض والنصف الآخر ينتظر دوره. ما أكتبه هنا لا يفسد محبتي لفخامة الرئيس، ولا صداقتي له التي أعتز بها منذ منتهى الثمانينات، بل يزيدني حرصًا على مصير اليمن.
عيدروس الزبيدي، بطل الجنوب "المستقل"، وعثمان مجلي، صديق الشمال المنقسم، يرافقان العليمي في هذه الجولة. يا للرمزية! ثنائي يشبه حربًا باردة على أرض يمنية، يتظاهر بالوحدة بينما كل منهما يحمل خارطة مختلفة في جيبه. من قال إن الطريق إلى نيويورك طويل؟ يبدو أقصر بكثير من توحيد الصفوف إلى صنعاء.
الجميل في كلمات رؤسائنا بالأمم المتحدة أنها دائمًا عظيمة، ملهمة، وخالية تمامًا من النتائج. "تحقيق السلام" و"إنهاء معاناة الشعب" تتردد كأننا نعيش في عالم مثالي حيث كل خطبة تضع حجرًا جديدًا في بناء اليمن. لكن، للأسف، ليس كل الحجارة تجد طريقها إلى الواقع. يبدو أن الحجارة تنتهي على الشاشات، بينما الشعب ما زال ينتظر من يلقي كلمة "الإغاثة".
العليمي سيتحدث في "قمة المستقبل". يا لها من كلمة براقة، "المستقبل"! حديث عن الإصلاحات الاقتصادية، عن رؤية 2030، وكأن هذه الإصلاحات لم تُدفن منذ 2015 تحت الأنقاض. ما بين القروض المعلقة والإصلاحات المؤجلة، يظهر "المستقبل" في خطاباتنا كأنه بعيد جدًا لدرجة أنه قد يكون مجرد أسطورة.
الحديث عن الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية أصبح روتينًا في كل خطاب يمني. إنه السيناريو المفضل لإلقاء اللوم على الجميع باستثناء أنفسنا. الحوثيون يهاجمون، ونحن نحضر مؤتمرات. هذه هي الديناميكية التي تحكم العلاقة بين صنعاء ونيويورك: نحن نتحدث، وهم يحاربون.
أحب لقاءاتنا الثنائية مع "عدد من رؤساء الوفود". دائمًا هناك مناقشات رفيعة المستوى. لكن، ما الذي نجنيه فعلًا من هذه الاجتماعات؟ كل عام نفس الجملة: "بحث العلاقات الثنائية". ولكن العلاقات الثنائية تعني شيئًا واحدًا: تسول الدعم، وبيع الأوهام للداخل. يبدو أن فخامة الرئيس سيعود محملًا بوعود جديدة كالعادة، لا أكثر.
لا يكتمل أي وفد رئاسي يمني بدون الحضور "الدبلوماسي". وزير الخارجية، شائع الزنداني، معنا كالعادة، للتأكد من أن الاجتماعات ستسير وفق البروتوكول، وأن القهوة في الاجتماعات ستكون بدرجة حرارة مناسبة. ربما نحن بحاجة لمتابعة فاعلية هذه الاجتماعات أكثر من مجرد الحضور والتقاط الصور.
موسم العودة سيأتي قريبًا، ومعه ستعود الوفود محملة بخطابات جديدة. صنعاء ستظل في مكانها، تنتظر "السلام" الذي لا يأتي. أما في نيويورك، فالجمعية العامة ستستعد لدورة جديدة من الخطب الرنانة.
نقلاً من صفحة الكاتب بمنصة أكس