بقلم/ عبدالباري عطوان
لماذا لا يقف العرب “بقوّةٍ” دعمًا لغوتيريش في مُواجهة الحملة الصهيونيّة ضدّه.. خوفًا من نتنياهو أمْ بايدن.. أمْ الاثنين؟
أن يعتبر إسرائيل كاتس وزير الخارجيّة الإسرائيلي أنطونيو غوتيريش أمين عام الأمم المتحدة شخصًا غير مرغوب فيه، ويمنع دُخوله إلى الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة بحُجّة عدم تسميته لإيران أثناء إدانته للقصف الصّاروخي يوم الثلاثاء الماضي لأهدافٍ عسكريّةٍ إسرائيليّة، هذا القرار الوَقِح والمُتعجرف يأتي تكريمًا للمسؤول الدّولي يُؤهّله للفوز بجائزة نوبل للسّلم وأحد أبرز المُرشّحين لها في نهاية هذا العام، وتبرئة الجائزة بالتّالي من اتّهامها بالهيمنة الصّهيونيّة عليها، وتسييس مُنطلقاتها.. ولكن.
عندما تُقدم دولة الاحتلال على هذه الخطوة، فهذا يعكس حالة الانهيار والهزائم المُتلاحقة، والعُزلة الدوليّة التي تعيشها بسبب إقدامها على ارتكاب حرب إبادة وتطهير عِرقي في فِلسطين المُحتلّة، وقتل أكثر من 41 ألف مدنيًّا نِصفهُم من الأطفال.

غوتيريش وقف مُنذ اليوم الأوّل ضدّ العُدوان الإسرائيلي ومجازره في القِطاع، ووصل إلى قمّة الجُرأة والشّجاعة والإنسانيّة، عندما أكّد أنّ مُعاناة الشّعب الفِلسطيني لم تبدأ بهُجوم السّابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) وإنّما مُنذ اغتصاب الصّهاينة الأرض الفِلسطينيّة عام 1948 وطرد أكثر من 800 ألف فِلسطيني إلى دُوَل الجِوار بالقوّة.
“إسرائيل” التي تأسّست بقرارٍ دوليٍّ وتواطؤ أمريكا والدّول الأوروبيّة، باتت العدو الأكبر للمُؤسّسة الدوليّة وتتفنّن في قتل مبعوثيها ومُوظّفيها ابتداءً من اغتيال عصاباتها الإرهابيّة اللورد النرويجي برنادوت وانتهاءً بوكالة غوث اللّاجئين (الأونروا) ومنظّماتها في قطاع غزة، والأخطر من ذلك أنّ مندوبها (إسرائيل) في المنظّمة الدوليّة قامَ بكُل وقاحة بإحراق ميثاقها على الهواءِ مُباشرةً، وطالب باستِقالة السيد غوتيريش من منصبه لأنّه لا يَصلُح وغير مُؤهل له، وكأنّ هذه المُنظّمة مُلكُ كيانه العنصريّ الإرهابيّ.
ما يُؤلمنا أنّ 22 دولة “عربيّة” لم تُدافع (حتّى الآن) عن الأمين العام للأمم المتحدة، وتقف في خندقه بشراسةٍ في وجْهِ هذه الحملة الصّهيونيّة أُسوةً بجميع الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (باستِثناء أمريكا) الذين أكّدوا دعمهم له، ووصف المندوب الروسي هذا الموقف الإسرائيلي بأنّه “يُشكّل صفعةً على وجوه جميع الأعضاء في المنظّمة الدوليّة، لا مثيل لها”، وأضاف “أنها خطوة قبيحة”، أمّا مندوب الصين فأكّد “دعم بلاده المُطلق للأمين العام للأمم المتحدة”، أمّا مندوبة أمريكا زعيمة العالم الحُر السيّدة ليندا غرينفيلد فجدّدت دعم بلادها الكامل لإسرائيل، ومُساندة حربها ضدّ رئيس المنظّمة الدوليّة.
***
نُبارك للسيّد غوتيريش البرتغالي الأصيل هذه الحملة التي تستهدفه من قبل قتلة الأطفال والخدّج والرضّع، لأنّه لم يتردّد مُطلقًا في الانتِصار لإملاءات ضميره، وحسّه الإنساني، وقيم العدالة، وقال كلمته بكُلّ شجاعةٍ وجُرأةٍ، وسيَدخُل التّاريخ من أوسعِ أبوابه، لأنّه انحاز للحق وضحايا المجازر الأبرياء الذين تخلّى مُعظم أهلهم العرب عنهم أوّلًا، العالم ثانيًا، خوفًا ورُعبًا من الصّهيونيّة العالميّة وداعميها الرئيسيين في حِلف النّاتو بزعامة دولة اسمها الولايات المتحدة الأمريكيّة تُنصّب نفسها راعيةً لقيم الحُريّات والعدالة، ومُبشّرة بالديمقراطيّة، ولا تتردّد لحظة في غزو دول وتدميرها تحت عُنوان هذه الأكاذيب، وخاصَّةً في الشّرق الأوسط وإفريقيا والعالم الثّالث.

أتقدّم شخصيًّا بالشُّكر إلى السيّد غوتيريش ليس بسبب مواقفه المُشرّفة هذه فقط، وإنّما باعتباري أحد اللّاجئين الذين تعلّموا في مدارس الأمم المتحدة، وتعالجوا وأُسرته في مُستشفياتها، واعتاشوا على مُساعداتها، ووُلدوا تحت خيمتها، أتقدّم له بالشُّكر على شجاعته، ورفضه الرّكوع أمام هذه التّهديدات الإسرائيليّة الوَقِحَة والمُبتزّة، وبفضله وأمثاله سيعود الحقّ إلى أصحابه في فِلسطين، كُلّ فِلسطين، بإذنِ الله، وسيتم هزيمة الظُّلم ومُدمني حُروب الإبادة، والتّطهير العِرقي.
نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس