بقلم/ احمد الشاوش
على بلاطة.. نحن مجتمع مريض يعاني من ضيق في النفس وشلل في الامانة ونزيف في المسؤولية إلا من رحم الله. . أكيد نحن بحاجة الى طبيب متخصص.
مجتمع استطاعت النُخب السياسية والحزبية الساقطة أن تنزع منه الاخلاق وتدمر القيم والمنجزات وتفلس به وتشلح كل مدخراته وتدفعه الى أسواق الحراج لبيع أثاثه ومقتنياته وماتبقى من أصوله ثم برمجته على اللف والدوران والتضليل والنفاق والخيانة .. لاخير فيه لنفسه واسرته ووطنه والانسانية.

مجتمع يفتقد الى العقل والمنطق والحكمة والرُشد السياسي ويتباهى بعناوين الدولة المدنية الزائفة وثقافة القطيع والماضي المتخلف وخطابات التخدير الموضعي الذي سرعان ما تحول المواطن الى امعة أو رجل آلي يُدار عن بُعد بأصابع هذا الطرف السيئ أو ذلك المشروع الاسواء ، لا خير فيه .

ياجماعة .. في العالم يحتكم الرؤوساء والقادة والنُبلاء وعامة المواطنين الى الدستور والقانون وتقديس الدولة لانها تضمن للمواطن واسرته الامن والاستقرار والسلام والحرية وتحقق له سُبل الحياة والسكن والمعيشة وتوفر له العمل والاجور والحوافز والخدمات والمشاريع العملاقة والعدالة والمساواة والانصاف ورفع المظالم وتكافؤ الفرص والضمان الاجتماعي والصحي ..

لذلك من الطبيعي والمنطقي أن تجد المواطن الغربي أول المدافعين عن الدولة والمؤسسات والمنجزات لان الدولة هي بمثابة الاب والام والخير والبيت الآمن وثقافة حب الوطن ثابته ومتجذرة لانها مسؤولية المواطن والاسرة والمجتمع والشعب ، كما تتسابق النُخب والاحزاب السياسية الغربية على تقديم البرامج الافضل في التنمية والبناء والاعمار واستثمار الانسان والمنافسة الشريفة وخوض سباق التنافس في الانتخابات للوصول الى كراسي الرئاسة والبرلمانات والبلديات وغيرها بعيداً عن الصراعات الدموية وجيوش معاوية وعلي والحسن والحسين وابوبكر وعمر ونغمات السنة والشيعة وايقاعات المشايخ وطبول النُخب الفاسدة والخطابات الاستهلاكية والانقلابات والثورات المعلبة والنثرات والرصاص والمدافع للوصول الى السلطة والتشبث بها حتى الموت او الاغتيال أو السجن والاقامة الجبرية كما يحدث في عالمنا العربي والاسلامي المريض والمتوحش واما اليمن فحدث ولا حرج .

والواقع المرير الذي نعاني منه هو افتقاد القدوة ، وأكبر مشكلة نعاني منها هي ثقافة القطيع والنفاق والفساد والرشوة والمجاملة والتحولات العجيبة والغريبة بنسبة 380 درجة لدى الغالبية والاصطفاف مع القوي وان كان قاتلاً أو ظالماً او لصاً من اول نخس أو قلبة في البلد ، بينما رموز وقدوة العالم ثابتين على مبادئهم ومواقفهم ورجولتهم وتوازنهم وينهون مسيرة حياتهم بالخلود بين شعوبهم وصفحات التاريخ الناصعة ، بينما قادتنا ونُخبنا السياسية والمذهبية يسجلون في أسواء صفحات التاريخ الملطخة بالدم والدمار والاطلال.

نتحدث عن الانتصارات ونحن في قمة الهزائم وعن الحضارات ونحن في قمة الانحطاط والتخلف وعن العلم ونحن غارقين في أعماق الجهل وعن البطولات والاساطير ونحن أضعف من خيوط العنكبوت لولا السلاح المتدفق من هنا وهناك والانتصارات الوهمية في السياسة والاعلام والمؤتمرات والفعاليات والمساجد والمقايل والمجالس وتصارع القوى السياسية على السلطة.

نتكلم عن العروبة واذا بالكثير منا أبعد من الاخوة و النخوة والروابط المشتركة ، ونتكلم عن الوحدة الوطنية واذا بكل مواطن سينفجر في وجه الآخر نتيجة تكريس خطاب الكراهية .. نتحدث عن الوحدة اليمنية وللاسف لم يبق منها سواء العلم نتيجة للشحن المناطقي والطائفي والمذهبي .. نتحدث عن ثورة 26 سبتمبر المجيدة وكأنها اسم من اسماء جهنم لدى بعض القوى السياسية لاسيما بعد ان أصبح رفع العلم جريمة .. نحتفل بثورة 14 أكتوبر و30 نوفمبر لطرد المحتل البريطاني من باب المجاملة والمزايدة.

حتى المواطن اليمني صار أرخص سلعة وضحية للداخل والخارج بينما المزايدين والانتهازيين واللصوص وراكبين الموجة ينعمون بكل مالذ وطاب ويجي واحد أشعث اغبر أو جامعي يقلك بأننا شعب المعجزات واننا عدحنا عرفنا الاسلام الصحيح ، بينما الحقيقة اننا أشبه بالعجزة والمعاقين الذين لم نستطع نغير نفسياتنا واسلوب حياتنا ونحاكي ضمائرنا لذلك دخلنا النفق المظلم.

العالم يحتكم الى العقل والحكمة والمنطق والرؤية الناضجة والدساتير والقوانين واللوائح بصدق وبساطة وبدون تكلف وأنفعال وحماقة وتسيب واهمال ، بينما الكثير منا يحتكم الى القوة والبطش والفوضى والقبيلة والحماقة والمزاج في ادارة شؤون الناس ضارباً بالقوانين واللوائح عرض الحائط.

سنظل متوترين وموتورين على مدار الساعة في القطاع الحكومي والخاص وفي البيت وحتى في الاسواق والشوارع والمقاهي والمطاعم .. صياح.. ازعاج .. دوشة .. مجابرة .. قطقطة.. تسجيل..تصوير .. تقارير .. رسائل .. ضحك مقالب .. مآسي .. لؤم .. خبث .. براءة تعكس شخصيتنا وحياتنا ومسيرتنا المتناقضة التي تعرضت للاعاصير والصدمات السياسية والاجتماعية والاخلاقية وخطاب الكراهية نتيجة للقيادات والنُخب والاحزاب والانظمة السياسية وغيرها من المخلفات وشيطنة رجال الدين والمثقفين والمنظرين والصحافة والاعلام..

عشر سنوات من الفوضى والدماء والدمار تكشف لنا ان مجتمعنا مهزوز ومحبط ومكتئب ومريض وأكثر تناقضاً ومصاب بالحالات النفسية والجسدية وخائف من الحاضر والمستقبل الملغم بالفقر والجوع والبطالة والعنصرية والقروية والسلالية والمذهبية وغيرها من أسلحة الدمار الداخلية والخارجية حتى صار كل واحد منا ينتظر الفرصة لتصفية الحساب مع الآخر نتيجة للظلم والطغيان وضعف الوازع الديني والاخلاقي.

العالم عايش حياته بالطول والعرض .. واحنا شغلنا انفسنا بفلان شيخ وفلان قائد وفلان داعشي وفلان رافضي وزعطان عفاشي وذيه مقدس وذلك فاسد .. وكلما دخلت أمة لعنت أختها.

مشكلة الكثير من اليمنيين ان كل واحد يحشر نفسه في امور واشياء وشؤون ليست من اختصاصه ولا مسؤوليته وانما من باب الفضول والحماقة التي اعيت من يداويها ، لذلك كل واحد مشغول بالآخر بدلاً من ان يبحث عن حل للحالة المرضية المصاب بها وان يعيش حياته الطبيعية والمستقرة والسعيدة بعيداً عن النكد والتنكيد على الآخرين.

واحد ضرط .. الناس تلتفت حوله وتعطي اشارات الهمز واللمز ، واحد سقط جراء عارض مرضي.. الناس تحوش عليه وتلتف حوله وكل واحد يوصف له علاج ووصفة في الطريق العام ، سيارة دكمت عابر سبيل تلاقي الناس عليه مثل الذبان والسائق هرب..

سيارة قفزت خوره الى رصيف المشاه وطيحت آدمي ..اسمع لك والصياح والنياح والتعليقات والدوشة .. انت الغلطان .. اسعفوه .. أين المرور .. اين الشهود .. أين القوانين .. قضاء وقدر .. المهم يتم اسعاف الضحية بكسر او دقدقة مفاصل الى المستشفى الخاص واسمع لك والفحوصات والكشافات والسمسرة والبيع والشراء وعملية التشليح والرقابة في الثلاجة.

تذهب الى أقرب قهوة أو بوفيه .. وتلتقي ببعض الزملاء أو بدونهم واسمع لك من واحد اذانه طوال مثل الحمار بيسترق السمع وآخر عيونه مثل الليزر بيحرق المتحدث وثالث ايديه مثل مخالب النمر يشتي يعرف مابيقولو الناس ويرفع تقريره السري .. رغم ان كل قهوة وبوفيه ومطعم ومؤسسة وحارة وشارع وسوق مركب فيها كاميرا صوت وصورة مربوطة على الهواء بشبكة من الرقابة الامنية التي تبطل تقارير المتطفلين والحمقى والمغلقين ولكن اسلوب الهنجمة والرعب من لزوم العمل.

أخيراً .. أطلب عُمر تنظر عجب.
لايمكن ان تقوم لليمن قائمة الا في ظل الاحتكام الى لغة العقل والحكمة والمنطق ومسيرة العلم والقضاء على الجهل والتخلف ..

و لا يمكن ان يتحرر اليمن الا في ظل وجود القائد القدوة الذي يؤمن بالعدالة والمساواة والشراكة تحت سقف البيت اليمني الواحد بعيداً عن الاستقواء بالغرب والشرق أو التضليل والعمالة والخيانة والتبعية .. مالم فاليمن في حالة تشرذم وتفكك وضياع وكل شخص وجماعة وحزب وقوة تترقب الفرصة وتتربص للانتقام من الآخر .. فهل نحتكم الى العقل والحكمة والحوار والسلام وعودة اليمن السعيد.. أملنا كبير .

[email protected]

حول الموقع

سام برس