سام برس
جولة في تجربة و أعمال الفنانة التشكيلية ايناس بن قدحة بوفارس :
بين الطبيعة، و الواقعية تنوعت أعمالها الفنية و مواضيعها بتقنيات بين الزيتي و المائي والأكريليك "... huile hydrosoluble au pinceau et au couteau "

"..كنت دائما الازم أبي و هو رسام أرصد كل حركاته خصوصا عندما يرسم لوحاته الزيتية. و لحسن حظي أنه كان يسمح لي بأن أتدرب على الرسم باستعمال كل ادواته رحمه الله.."
شمس الدين العوني

الفن فكرة القلب حيث الذهاب الى جواهر الأشياء بحثا و نظرا و قولا بما هو كامن في العناصر و التفاصيل من ممكنات الجمال وفق اعتمالات الشواسع و رؤاها المفصحة عن الرغبة في اقتفاء أثر الكلمات و الألوان و الموسيقى العالية و ما يبوح في تعبيريته الفارقة بالجميل و المشرق في الذات حيث الحال في تعدد هيئاتها و تبدلاتها و هكذا...
انها لعبة الفن و منه التشكيل و ما به ترقص الألوان لتقول شيئا من دفتر الرغبات...رغبات الكائن المفتوحة على أزمنة و أمكنة هي خلاصة النشيد الفادح..نشيد الفنان في رؤيته لعالم متغير ليقول تجاهه بعض ما ينتابه من أحاسيس مثل أطفال ينشدون مرحا خالصا تلونه الأحلام و براءة الحضور في كون يأخذه الضجيج لكن ترتع فيه الأغنيات مثل نسائم صيفية ناعمة..

في هذه الأحوال ثمة فكرة و غرام بالتلوين و حلم قائم لتأثيث الذات بشيء من البهاء و الحنين و القول بما هو كامن في الذات من جمال و أصالة و طمأنينة وفق النظر الى الدواخل و هي في حوارها مع الآخرين و العالم ..هي لعبة العواطف النبيلة في مجالات الرسم و التلوين قتلا للبشاعة تتهدد العالم و الناس ..الفن في هدأة الحال و فصاحة القلب نظرا بعين الروح لا بعين الوجه..و الرسم هنا ما هو الا ذاك الضرب من السفر الناعم في الأكوان حيث تفاصيل تبوح بغنائها الخافت و هي تعلي من شأن الأمكنة و المشاهد و الوجوه بكثير من رغبات طفولة مقيمة من زمان تتجدد و تبتكر في شغفها الفني شيئا من النوستالجيا ..
في هذا السياق كانت تجربة الفنانة التشكيلية ايناس بن قدحة بوفارس التي تخيرت لعبة الرسم و دروبها الشتى لتأخذنا الى مناخات عملها الفني التي تمضي فيها بتقديم العديد من الأعمال الفنية لتبرز لوحاتها معبرة عن مشاهد متعددة بين الطبيعة و جمالها و المدينة العتيقة و سحرها و ما علق بالذات من أمكنة منها سيدي بوسعيد و المدينة العتيقة و باريس ... و حالات منها الوجوه و المرأة العازفة على العود في اشارة للأصيل الكامن في الذات و المتصل بالتراث من لباس و غير ذلك حيث اللوحة ترجمان للذات الفنانة الحالمة باستعادة الممتع و الجميل و المتصل بذكرى جميلة معانقة للفنانة ايناس التي ترى في الرسم و التلوين حيزا مهما لابراز عناوين ذاتها و شخصيتها تجاه عوالم الفن عالية الأسوار في كون من التداعيات و السقوط القيمي و هنا تصر الفنانة على ابلاغ رسالتها عبر الفن لا للقول بالجمال بوجه ما هو رديء و عابر ...

تعددت ىأعمال الفنانة التشكيلية ايناس و منها ما قدمته مؤخرا ضمن النشاط الثقافي و الفني و الأدبي ضمن عنوان " قبق " بفضاءات " الرواق " بمدينة سوسة حبث اللوحة في الجدار و العبارة الطالعة كنشيد مكلل بالطفولة ..طفولة النظر..و طفولة الأشياء..فالفن عندها هو هذه الممارسة الجمالية في عنفوان براءتها و صفائها نشدانا لما به تسعد الذات و هي ترى العالم علبة تلوين...

الفنانة التشكيلية ايناس بن قدحة بوفارس استاذة مساعدة في الانقليزية بكلية الآداب و العلوم الانسانية بسوسة منذ 2007. متحصلة على شهادة الدكتوراه في اللغة و الآداب و الحضارة الانقليزية من جامعة Paris X Nanterres بفرنسا من هواياتها الرسم، العزف على البيانو و الاورغ، الرقص الكلاسيكي (الباليه)، و تعلم اللغات، قراءة القصص بالعربية الفرنسية و الانقليزية و الايطالية، الكتابة و الرحلات الاستكشافية... الا أن هوايتها المفضلة هي الرسم بكل أشكاله كما تبرز ذلك لتواصل قائلة "... كل هذه الهوايات مارستها منذ صغر سني. و قد بدأت الرسم قبل أن أتعلم الكتابة. أذكر انني كنت اقضي الساعات الطوال ارسم كل ما اجده امامي و لا اشعر بمرور الوقت. فقد ولدت و ترعرعت في عائلة تملك مواهب فنية. كان والدي عزالدين بن قدحة رحمه الله مهندسا معماريا محلفا لدى المحاكم و قد كان في اوقات فراغه يعزف على الآلات الموسيقية المتعددة في بيتنا و كنت دائما الازمه في كل حركاته خصوصا عندما يرسم لوحاته الزيتية. و لحسن حظي كان يسمح لي ان اتدرب على الرسم باستعمال كل ادواته رحمه الله. كنت اود ان يكون على قيد الحياة ليشاهد ابنته الصغرى تدخل عالم الرسم من بابه الكبير. اما بخصوص تجربتي الفنية الحالية، فقد انطلقت منذ بداية جائحة الكوفيد عندما اجبرنا على المكوث في البيت. فبعد ان اهملت موهبتي لسنوات لانشغالي بدراستي و بمسؤولياتي العائلية و المهنية، كانت هذه فرصة لصقل موهبتي. و هذا كان بعون الله حيث كنت اتدرب للساعات الطوال كل يوم الى ان تمكنت من العديد من التقنيات من aquarelle ، acrylique ، huile hydrosoluble... و بالنتيجة وجدت نفسي قد رسمت عشرات اللوحات و لا ادري اين اضعها. فاهديت بعضها و بعت البعض الاخر. و هكذا فكرت في عرضها في المعارض بعد ان كنت اعرضها الا على متابعي تجربتي الكثر على صفحات الفايس بوك و الانستغرام. و بفضل عرض لوحاتي في معرض " الرواق " مؤخرا اصبحت معروفة اكثر لدى الفنانين التشكيليين. و قد تخصصت الان في peinture acrylique et huile hydrosoluble au pinceau et au couteau و موضوعات رسومي تدور حول الطبيعة، و الواقعية اكثر من اي موضوع آخر...".

هي فنانة تعمل على المضي أكثر في ممارستها الفنية حيث بمثل لها الفن ذاك العالم الجميل البعيد عن الهموم اليومية و تقول "..عندما ارسم مشهدا طبيعيا جميلا اشعر انني امتلكه مثل الذي يلتقط صورة فوتوغرافية لا تتحرك و يضعها في اطار ليتأملها بين الحين و الآخر. عندما ارسم منظرا طبيعيا اعجبني احاول ان اضعه على اللوحة لأستمتع به و لكي يشاهده غيري مستمتعا مثلي ..انا لست من الفنانين الذين يضعون مشاعرهم على اللوحة. كمشاعر الغضب و الحزن ..فتكون لوحات مخيفة احيانا. انا افضل ان ارى العالم بنظارات وردية لعله يتحسن يوما ما. مرة وحيدة اظهرت فيها شعورا سلبيا و غضبا شديدا ليبدو ذلك على اللوحة كنتيجة ...اذكر انني لست متخرجة من معهد الفنون الجميلة فعندما تحصلت على شهادة الباكالوريا آداب كان قلبي يتارجح بين اتباع هواية الرسم و الالتحاق بمعهد الفنون الجميلة او تجسيم حلمي بأن اصبح استاذة انقليزية و هو ما تم ليبقي الرسم هوايتي. فأنا عصامية autodidacte لكنني تعلمت عند افضل الفنانين في السبعينات و الثمانينات، و هو والدي رحمه الله...هناك من يدفعني و يشجعني في هذا الجانب و أذكر زوجي الذي شجعني كثيرا لمواصلة مشواري الفني و كان مع ابنائي من اول المتحمسين لتجربتي الفنية و المضي فيها ..".
هكذا و بروح من المغامرة و الدأب تذهب الفنانة الفنانة التشكيلية ايناس بن قدحة بوفارس في طريقها التي تخيرتها و هي تحاول الألوان و تحاورها نحتا لشيئ من ذاتها و قولا بما بداخلها من رغبات دفينة تجاه عالم الرسم و الفن و هي تراكم التجربة نحو اقامة معرضها الشخصي لتبرز أعمالها التي تقول عنها بأنها جزء مهم من ذاتها و حياتها.

حول الموقع

سام برس