بقلم/ الدكتور / علي أحمد الديلمي
على مدى سنوات الحرب في اليمن عملت دولة الإمارات العربية المتحدة على أبراز قوتها بشكل متزايد في مناطق النزاعات الاقليمية وفي مارس 2015 شاركت الإمارات المملكة العربية السعودية في تدخلها العسكري في اليمن وساهمت القدرات العسكرية الكبيرة التي شاركت بها دولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن في أبراز دور ها الجديد والمعتمد على أدوات جديدة مختلفة عن ماعرفت به مركزًا ماليًا إقليميًا ومركزًا تجاريًا دوليًا

جاء تصاعد الـقوة العسكرية للامارات في كثير من مناطق التوتر والنزاعات المختلفة نتيجة لطبيعة التهديدات الامنية على مصالحها الاقتصادية ورغم التعقيدات وطبيعة التحالفات السياسية المختلفة وتعارض مصالح الدول الاقليمية في كثير من القضايا السياسية في مناطق الصراعات التى تواجدت فيها الإمارات إلا انها مع ذلك استطاعت التأكيد على حضورها من خلال إنشاء شبكة متشابكة من التحالفات السياسية المعقدة للانخراط اقتصاديًا وعسكريًا في المناطق التي تسعى إلى التأثير عليها من أجل تأمين مصالحها الاقتصادية الخاصة ووضع نفسها كواحدة من اللاعبين الرئيسيين على المستوي الاقليمي من خلال التواجد السياسي والعسكري
كما ان الإمارات أستخدمت اتحاد موانئ دبي العالمية كأداة من أهم الأدوات في التأثير الخارجي والتجارة الدولية بالإضافة إلى التطور الملحوظ في أستخدام الدبلوماسية الاماراتية على الصعيد العالمي من خلال أبراز دورها في الحرب ضد الجماعات الدينية المتطرفة وتنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية بالإضافة إلى إبراز دورها في كثير من القضايا العالمية وحققت نجاحات كبيرة من خلال ممارسة الضغوط السياسية وتشكيل لوبيهات قوية في مراكز صنع القرار العالمية ورغم ذلك تبقي هناك كثير من الصعوبات والمشاكل التى تواجه الإمارات في المناطق التي تتواجد فيها وأهمها تعارض مصالحها مع بعض القوى الاقليمية وطبيعة هذا التنافس ودعم المعارضين لها في أماكن تواجدها و تأثير ذلك على اقتصادها وعلى سمعتها الدولية بسبب الشكاوي من بعض المنظمات ضد سياستها

ووسط المصالح الاقتصادية المتنامية خارج حدودها يبدو أن التواجد العسكري المتزايد لأبوظبي في الخارج اصبح هدفا استراتيجيا وتسعى من اجل تبوء مكانة سياسية واستراتيجية وأداء دور عالمي وإقليمي عابر للحدود والقارات وبعد مشاركتها في الغزو الأمريكي لأفغانستان الذي أكسبها خبرة كبيرة في نشر قوات بعيدة في الخارج بطرق لا تستطيع الدول العربية الأخرى القيام بها ولا شك أن النهضة الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها دولة الإمارات والمشاريع التنموية والعمرانية والسياحية الضخمة التي أنجزتها وتركيزها على تنويع الاقتصاد واستخدام أحدث التقنيات في مختلف المجالات كان لها دور كبير في تعزيز ثقلها الإقليمي وعززت موقعها كقوة إقليمية في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي وأضحت تتمتع بنفوذ يتخطى حدودها بمسافات بعيدة

مايهمنا اليوم ان الإمارات بصدد تقييم سياستها الخارجية من خلال الرغبة بالتخلي عن سياسة التدخل في الصراعات والتركيز على الاقتصاد وعلى هذا النحو سعت أبو ظبي للقيام باستثمارات بقيمة 150 مليار دولار من خلال روابط أعمق مع الاقتصادات سريعة النمو وعوضا عن التصادم الإقليمي الذي رافق سياسة الإمارات في مرحلة ثورات الربيع العربي فقد لجأت الإمارات لتعزيز حضورها ماليا واقتصاديا ومع انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انتهجت الإمارات سياسة الواقعية لكي تناسب تحالفات الشرق الأوسط الجديد.

أن التعديلات التي أجرتها الإمارات على سياستها الخارجية لا يعني التخلي عن طموحاتها بأداء دور القوة الإقليمية المتوسطه من خلال تطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية مع المحيط الجغرافي وهي أحد أهم أولويات السياسة الخارجية الإماراتية في الفترة المقبلة والتى تتوافق مع طموحاتها السياسية والاقتصادية

ان التحول في السياسية الإماراتية ليست مجرد خطوةً تكتيكية بل يرجح البعض أن تكون توجُّهاً استراتيجيا يأتي في سياق تحولات جيوسياسية أوسع نطاقاً حيث ان كثير من المؤشرات والدراسات تؤكد أن اتساع نطاق الدول الفاشلة والضعيفة في منطقة الشرق الأوسط أفضى إلى إنتاج حزمة من فرص التنافس والتدخل للفاعلين الجدد كالإمارات ويعود الفضل في ذلك إلى ما تتمتع به هذه الدول من قدرات اقتصادية
وعلى هذا النحو فإن هذا النظام الجديد فتح الباب أمام الإمارات للعب أدوار إقليمية متعددة بهدف السيطرة على مجريات التحولات و الديناميكيات الإقليمية.

سفير بوزارة الخارجية

حول الموقع

سام برس