بقلم / أحمد عبدالله الشاوش
كل الوقائع المأساوية والاحداث العاصفة والهزائم المتتالية والفشل الذريع تؤكد ان العرب والمسلمين ضحايا " الجهل المقدس" ، الذي أغتال العقل وصادر الحكمة وأزهق الفكر ووأد المعرفة وحول السواد الأعظم من الناس الى مجرد قطيع وببغاوات ناطقة تردد هذيان شياطين السياسة وتوحش الملوك والامراء والرؤساء والقادة.

هذا السقوط المريع يجسد قول الشاعر ، يا أمة ضحكت من جهلها الأمم ، ويختزل تاريخ الاعراب ويجسد عظمة " الإسلام " وانحراف "المسلمين " نتيجة للموروث الثقافي والتاريخ الإسلامي المزور الذي خطه عدد من المستشرقين والمنتفعين محولاً البسطاء من الناس الى قرابين تحت يافطة الجهاد وأكذوبة الشهادة وثقافة الفيد والقضايا الوهمية والجدل البيزنطي والمعارك العبثية والثارات الدموية لتثبيت الحكم العضوض بعد ان تم تعبئة المواطن بجرعات مسمومة وتحويله الى حقل تجارب ، في حين أصبح تحرير فلسطين اكليشة يرددها علماء الإسلام السياسي على استحياء!!؟ .

مازلنا وسنظل نحن الاعراب أشد كفراً ونفاقاً ، نقدس الجهل في غياب " القدوة" والمناهج التربوية والتعليمية الرشيدة ، ونعبد الحكام حتى أخمص القدمين بعد ان افتقدنا ارادتنا وحريتنا وكرامتنا وسنظل محل سخرية الأمم نتيجة لذلك الموروث الثقافي البعيد عن التعاليم السامية للقرآن الكريم والسنة النبوية التي دعت الى عبادة الله وحرية الفرد واحياء وتعمير الارض وتجسيد قيم التسامح والتعايش والسلام وتحرير الفكر والعقل من العبودية.

ورغم تطور الغرب اللافت وانجازاته العملاقة في جميع مجالات الحياة واكتشاف الفضاء والتنقل فيه وملامسة نجومه واقماره ومداراته واعداد الخطط لمشاريعه المستقبلية ، إلا ان كل المشاهد على الأرض العربية تؤكد اننا مازلنا وسنظل خارج اطار التاريخ المشرق وفي سبات عميق، نعبد الاصنام ونسجد للملوك وننحني للأمراء ونخضع للرؤساء وننبطح للقادة ونجامل الأغنياء وننشم اللصوص ونتنكر للعقلاء ونشكك في الحكماء ونخَوَن المتنورين الذين يريدون لنا التحرر من الاساطير والسياسية والايدلوجيا الدينية المدمرة التي تلاعبت بفطرة الانسان وعقله البشري وأنهت إنسانيته وساطرت عقله واحلامه وتطلعاته بعد ان رضعنا من ثقافة التجهيل ونما عودنا من فيتامينات الإسلام السياسي والنظريات الماركسية والاشتراكية ،،، التي تم اختبارها في احدث مختبرات بريطانيا وواشنطن وباريس وتل ابيب وموسكو.

ونتيجة لسياسة التجهيل ولتلك " الغفوة" شطح الملوك والامراء وتوحش الرؤساء والقادة وتلاعب الوزراء وصمت الحكماء وتوارى العقلاء وعبث التجار وفَجر العلماء وتاه المثقفين وسقط الاعلاميين، وأرتفعت بورصة الانذال والابتذال والمنافقين وأرتفع ترمومتر الحقد والكراهية وثقافة الفيد ، واكتسب الحكام المعتوهين واعوانهم " قداسة الوهم" .

والتاريخ يحكي لنا الكثير من التجاوزات والاخطاء والحماقات التي سقط في جحيمها السواد الاعظم من حكام العرب والمسلمين رغم بعض الإيجابيات ، من دهاء معاوية الى جبروت الحجاج مروراً بقبضة شاه ايران وشيطنة السادات وتمرد بورقيبة وشطحات القذافي وبراغماتية صالح وسياسة بن علي وشريعة النميري وتنظيم البشير وقسوة عبدالكريم قاسم وصرامة صدام وغيرهم ، باستثناء الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز الذي كانت فترة حكمة الوجيزة من أنصع صفحات التاريخ والاقرب الى صدر الاسلام الأول ، والمشير عبدالرحمن سوار الذهب الذي ترك رئاسة السودان طواعية .. غير ان نوائب الدهر وخطوات الشيطان والنفس الامارة بالسوء قد استحكمت على عقول الكثير من الحكام وبثت فيهم الطمع وحب الدنيا واخرجتهم عن العدل والمساواة وبتلك الثقافة والعادات والتقاليد والاعراف السلبية ، تُهدمت الأوطان وتدمرت الاخلاق ، وانتشرت البغضاء وتتصدع النسيج الاجتماعي وتفرقت الامة وتجزأت الدول واصبح الجميع كغثاء السيل ، ولنا في قريش خير شاهد على تفردهم بالمال والتجارة وميلهم للعصبية وتوظيف ذلك في الامساك بالسلطة وعدم القبول بمبدأ الشورى والتداول السلمي ، يدل على عدم تقبلهم أي قبيلة منازعتهم في الحكم حتى لوكان محمد بن عبدالله بن ، والسلطة في قريش هي مسألة حياة او موت ، وان ذلك المفهوم أسس لثقافة سلبية دفع المسلمين فيها ثمناً باهظاً حتى اليوم ومانزال نعيش نكبتها حتى اللحظة.

ويحدثنا التاريخ ان العرب في الجاهلية كانوا يصنعون الاصنام من التمر لعبادتها وما ان يجوع أي منهم حتى يبادر الى التهام " الاله" ، إلا ان الشعوب العربية في العصور الحديثة أصبحت لقمة صائغة وغدة اصنام السلطة تأكل " شعوبها" وثرواتها بعد ان صعدت الى كراسي السلطة بغزوات السيوف أو بالانقلابات والثورات على ظهور الدبابات وفي أقل الاحوال تزوير الانتخابات وشراء الاصوات بأموال الداخل والخارج ، وبعد السيطرة على ثروات الشعوب وتثبيت الحكم العضوض بولاءات المشايخ والنُخب السياسية ورجال الدين وبندقية القبائل ، تحول الزعماء الى نمور تأكل الدُمى التي ساندتها وناصرتها وصنعت لها هيلمان وقدسية خاصة نتيجة للأفراط في الجهل المقدس.

وماتزال الشعوب العربية والإسلامية تعيش تحت جحيم الجهل المقدس بعد ان أصبح آفة تاريخية لابد من اجتثاثها بـثورة " التعليم" العصري بعيداً عن امراض الماضي ومحاولة غربلة وتصحيح التاريخ العربي والاسلامي المشوه " ، والشواهد كثيرة على مدى حماقة العرب وغرورهم وحقدهم وفخرهم وحروبهم وغزواتهم ونفسياتهم التي لا تعيش إلا تحت ظلال " عبودية " ويافطات شيوخ القبيلة والعشيرة أوفي ثوب سيد وملك وامير وسلطان ورئيس.

وبالعودة الى ذاكرة التاريخ سنجد حرب داحس والغبراء التي أستمرت 40 عاماً على سباق ، وحرب البسوس .. واغتيال الخليفة عثمان بن عفان وهو يقرأ القرآن والخليفة عمر بن الخطاب في المسجد ومحاصرة بني هاشم في الشعب ، ومقتل الامام علي بن ابي طالب والحسين رضوان الله عليهما اجمعين تؤكد على العقلية المريضة والثقافة الانتقامية والواقع المرير الذي يثبت بدون شك ان تصرفات معظم حكام العرب والمسلمين والجماعات والحركات الدينية واعشار العلماء والقادة ينقصها ان تصرح انا " الله" انا الرب .. انا وبعدي الطوفان ، بكل وقاحة بعد السيطرة على السلطة والاستقواء بالخارج الذي حول المواطن الى عبد يبحث عن حرية ووظيفة وراتب يبقيه وأولاده على قيد الحياة بعد ان حولوا الاوطان الى اطلال .

فهل آن الأوان لحكام العرب والمسلمين مراجعة النفس ووخز الضمير وفتح صفحة جديدة مع شعوبهم وتصحيح الموروث الثقافي السيء ، والبدء بتأسيس مناهج علمية وتربوية عصرية تحترم العقل وتخلق الابداع وتقدر الفكر وتجسد حب الوطن وتؤسس لدولة المؤسسات والتداول السلمي للسلطة بعيداً عن الطغيان والاحلام الوردية والامراض المذهبية والسلالية والعنصرية والاعراق والأقليات وغيرها من المصطلحات المفخخة ، مالم فلن تقوم للعرب والمسلمين قائمة وفي طليعتهم نحن معشر اليمنيين.

[email protected]

حول الموقع

سام برس