بقلم/ هند العتيبة
* مديرة إدارة الاتصال الاستراتيجي في وزارة الخارجية والتعاون الدولي باالإمارات العربية المتحدة

يمثل شهر رمضان بالنسبة للمسلمين في جميع أنحاء العالم دعوة للتأمل، وفرصة لتجديد إيمانهم ولبذل العطاء والتضحية، والسيطرة على الذات، كما أنه وقت يزداد فيه فعل الخير، وتنشط فيه العلاقات الاجتماعية بين الناس.

هذا العام، يمكن للملايين من غير المسلمين أن يتأملوا بمعاني هذا الشهر المبارك وروحانيته، حتى لو لم تكن مألوفة لديهم. فخلال الفترة الأخيرة وبينما طبقت الكثير من دول العالم العزل الاجتماعي والإغلاق التام للحد من انتشار فيروس (كوفيد-19)، فإن هذه الإجراءات استفاد منها العديد من الناس لتنشيط قواهم الداخلية، والاحساس بمعاناة الآخرين، والسعي إلى تحسين الذات، ومد يد العون إلى أولئك الأقل حظًا.

تقع دولة الإمارات في موقع استراتيجي مما جعلها تمتلك موارد اقتصادية كثيرة لتصبح محط أنظار العالم، ومنذ تأسيس الدولة في عام 1971، عمل المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" على تنويع اقتصاد الدولة بعيدا عن النفط، وبناء مجتمع قوامه الحداثة. وكان جليا بأن الانفتاح والابتكار هما المفتاح للوصول إلى النجاح، حيث حرصت الإمارات العربية المتحدة على أن تكون دولة متسامحة بعيدا عن الأيدولوجيات والتطرف التي تتشر الخوف والفوضى. وحاولنا بطريقة أو بأخرى، تطبيق مبادئ الشهر الفضيل ودمجها في نسيج مجتمع حديث ومتقدم.

لقد أدركت دولة الإمارات منذ البداية أن ازدهارها يتوقف أيضا على تقدم الجيران والشركاء، فسعت الدولة منذ تأسيسها إلى جعل المساعدات الإنسانية ركيزة من ركائز سياستها الخارجية. وهذا ما مكنها من أن تكون واحدة من أكبر المانحين في العالم من حيث نسبة المساعدة الإنمائية الرسمية إلى الناتج القومي الإجمالي. وقد بقي هذا نهجها في ظل انتشار وباء (كوفيد-19).

فمنذ بداية أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد، قدمت دولة الإمارات 270 طنا من المساعدات الطارئة لأكثر من 270 ألف من العاملين في الصفوف الأمامية في القطاع الصحي في 26 دولة. كما ساعدنا في إعادة أكثر من 2200 إماراتي إلى البلاد، وقمنا بلم شمل أكثر من 23 ألف أجنبي مع أسرهم من خلال 127 عملية إعادة إلى أوطانهم.

وأطلقت دولة الإمارات مبادرة "الإمارات وطن الإنسانية"، حيث قامت بإجلاء 215 شخصا من رعايا دول شقيقة وصديقة من مقاطعة هوبي الصينية إلى مدينة الإمارات الإنسانية في أبوظبي، حيث تلقوا الفحوصات والرعاية الطبية اللازمة قبل العودة إلى ديارهم. كما قامت الدولة بإجلاء 80 مواطنا من كوريا الجنوبية وعائلاتهم من إيران بناءً على طلب من حكومتهم، وذلك لتحقيق مبادئ وقيم الدولة والقائمة على أن التعاون متعدد الأطراف يعد أمرا محوريا في تقديم المساعدات الإنسانية لدعم الجهود المبذولة للحد من آثار هذه الجائحة.

كما بحثنا أيضًا عن طرق لتوظيف أصول الدولة في الخارج للمساعدة في تخفيف المعاناة في ظل انتشار فيروس (كوفيد-19)، فقمنا بتحويل "إكسل لندن"، والذي يعد أكبر مركز للمعارض والمؤتمرات في العاصمة البريطانية، والمملوك بالكامل لحكومة أبوظبي، إلى مستشفى ميداني طارئ بسعة 4000 سرير لعلاج المرضى المصابين بـفيروس (كوفيد-19).

وفي حين أن العديد من العوامل كانت قد أثرت على خياراتنا بسبب الفيروس وما أحدثه من تغييرات، إلا أننا سعينا إلى التركيز على الناس أكثر من السياسة. لهذا السبب أرسلنا شحنات مساعدات مبكرة إلى عشرات البلدان، بما في ذلك الصين وإيطاليا والسودان وجنوب أفريقيا وباكستان وإيران وأماكن بعيدة مثل البرازيل وكولومبيا وكوريا الجنوبية. فأزمة (كوفيد-19) تشكل تهديدا مباشرا على حياة الإنسان واستقراره أكثر من أي عامل آخر.

في الأوقات الصعبة، من السهل أن نتساءل "لماذا نحن" أو "لماذا أنا". لكن يجب علينا ألا ننسى بأننا لسنا أول من مرت به أوقات عصيبة كهذه، وهناك من يشاركنا مواقفنا ومعتقداتنا وثقافتنا.

تعد المناسبات الدينية مثل شهر رمضان المبارك وعيد الفصح وغيرها، على سبيل الذكر لا الحصر، هي تذكير بأن الأجيال السابقة واجهت تجارب مماثلة وثابرت. سوف نتغلب على جائحة (كوفيد-19).

وبينما ما زلنا نحارب هذا الفيروس، يجب علينا أن نتعهد بالقيام بما هو أفضل. ويجب علينا أن ننشر أسس التضامن والتعاون بين البشر كافة دون تمييز بين عرق أو لون أو دين حيث تجمعنا الأخوة الإنسانية، وأن نفعل كل ما في وسعنا لتخفيف المعاناة والألم حول العالم، ونضع الشائعات السلبية جانباً ونستبدلها بالتفاؤل والجد في العمل. يجب أن نهتم بالبيئة التي تدعمنا وتغذينا. ما نقوم به في الأوقات الصعبة هو مقياس لما نحن عليه الآن وما سنكون عليه في المستقبل.

نقلاً عن العربية نت

حول الموقع

سام برس