سام برس
من الذي قصف منزل السفير العماني في صنعاء؟ هل هي طائرات التحالف السعودي ام قذيفة مورتر حوثية؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وما هي الانعكاسات على تماسك مجلس التعاون الخليجي؟

ان يستدعي وزير الخارجية العماني السفير السعودي السيد عيد محمد الثقفي الى مقر الوزارة، ويسلمه مذكرة احتجاج، على قيام طيران التحالف الذي تتزعمه المملكة العربية السعودية باستهداف منزل السفير العماني في العاصمة اليمنية صنعاء مما ادى الى تدميره، فهذه خطوة تشكل سابقة نادرة في مسيرة مجلس التعاون الخليجي الذي يضم تحت مظلته البلدين.

الحكومة السعودية لم تعلق عبر قنواتها السياسية الرسمية على هذه السابقة، وتركت الامر للعميد احمد عسيري المتحدث باسم قوات التحالف للقيام بهذه المهمة نيابة عنها، وهذا امر غير مألوف في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، خاصة بين دول مجلس التعاون الخليجي، فقد جرت العادة ان يتم التعاطي مع مثل هذه القضايا الخلافية بعيدا عن الاضواء ولتطويق اي تصعيد محتمل، بما في ذلك تقديم اعتذارات على الطريقة الخليجية، ولكن هذا لم يحدث.

العلاقات بين السعودية وسلطنة عُمان لم تكن على ما يرام في السنوات الاخيرة، وربما لا نبالغ اذا قلنا انها تمر بأزمة صامتة، بدأت تظهر الى العلانية عندما اعترض وزير الخارجية العماني السيد يوسف بن علوي على تحويل مجلس التعاون الى “اتحاد” قبل عامين، وعبر عن ذلك علانية في “ندوة الدوحة” في رد على نظيره السعودي، وتدهورت اكثر عندما استضافت مسقط مفاوضات امريكية ايرانية سرية مباشرة تكللت باتفاق نووي، وبلغ التوتر ذروته عندما فضلت سلطنة عمان الوقوف على الحياد والنأي بالنفس عن التدخل في الازمة اليمنية، وعدم الانضمام الى “عاصفة الحزم”، اسوة بدول عربية وخليجية اخرى.

العميد عسيري رش ملحا كثيرا على الجرح الدبلوماسي العماني عندما نفى في تصريحات صحافية ان تكون طائرات التحالف قصفت منزل السفير العماني، وقال ان الضربات الجوية استهدفت مبنى وزارة الداخلية اليمنية، وليس مقر اقامة السفير، وذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما لم يستبعد ان تكون قذيفة “مورتر حوثية” ادت الى تدمير المبنى، وطلب اجراء تحقيق في الامر.

طلب التحقيق هو محاولة للتنصل من المسؤولية في الوقت الراهن على الاقل، ويطرح في الوقت نفسه سؤالا مهما وهو حول عدم استهداف قذائف المورتر الحوثية لمقرات سفراء امريكا وفرنسا والسعودية والامارات وقطر، على سبيل المثال لا الحصر؟ ولماذا منزل السفير العماني دون غيره؟
التدخل العسكري السعودي ربما لا يؤدي الى تقسيم اليمن او تفتيته، واعادته الى عصر السلطنات قبل استقلال الجنوب عام 1967 فقط، انما الى احتمال تقسيم مجلس التعاون الخليجي نفسه، او اضعاف تماسكه على وجه الخصوص، فمن الواضح ان هناك دولا مثل الكويت، اثارت استياء الحكومة السعودية عندما رفضت ارسال قوات برية في اطار التحالف العربي السعودي للمشاركة في الحرب، اسوة بدول مثل الامارات والبحرين وقطر، وتعرضت، اي الكويت، لحملات اعلامية شرسة من قبل ناشطين سعوديين مقربين من الدولة على اوساط التواصل الاجتماعي، ركزت على الدور السعودي الابرز في تحرير الكويت، وهو دورا لا يمكن انكاره في جميع الاحوال، في اتهام مباشر بنكران الجميل.

القصف الجوي المتواصل من قبل طائرات “عاصفة الحزم” في اليمن بدأ يعطي نتائج عكسية متفاقمة، ويثير قلق دول ومنظمات حقوق انسان غربية وعربية بسبب تصاعد الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، لانه بات قصفا يتسم بالعشوائية بعد ستة اشهر من بدئه، بسبب تضاؤل الاهداف الى درجة تقترب من الصفر، فعائلات كاملة ابيدت من جراء صواريخ احدى هذه الغارات يوم السبت في صنعاء، كما جرى الافراج عن 300 سجين بعد تعرض احد المقرات الامنية في مدينة القاعدة وسط اليمن، ادى الى مقتل 11 شخصا واصابة خمسين آخرين معظمهم من المدنيين والمساجين، ناهيك عن قصف معامل تعبئة مياه ومدرجات رياضية، والقائمة تطول.

التدخل العسكري السعودي في اليمن ربما لن ينجح في كسب اليمن، ودفع التحالف “الحوثي الصالحي” لرفع الرايات البيضاء، ولكنه قد يؤدي في الوقت نفسه الى ضعضعة مجلس التعاون الخليجي، ان لم يكن انهيار صورته الحالية، او تقسيم الاثنين، اللهم الا اذا حدثت معجزة وتم تطويق الازمة، وتقليص الخسائر، من خلال اعطاء فرصة اكبر للحلول السياسية، ولكن كيف يتحقق ذلك في ظل قصف منزل سفير الدولة المحايدة التي تستضيف المفاوضات بين الاطراف المتصارعة، ايا كانت الجهة المسؤولة عن هذا القصف.
“راي اليوم”

حول الموقع

سام برس