سام برس
شن الرئيس الأمريكي باراك اوباما في كلمته امس امام الجمعية العامة للامم المتحدة هجوما كاسحا ضد الرئيس السوري بشار الاسد الذي وصفه بأنه «طاغية قاتل الأطفال»، وكذلك انتقد القادة الذين يؤيدونه بدعوى «التغلب على الفوضى والارهاب».

الا انه سرعان ما اعلن استعداده للعمل معهم، وتحديدا قائدي روسيا وايران، لحل الازمة في سوريا. اما الشرط الذي وضعه لهذا التعاون فهو ان «لا يمكن العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل الحرب».

وفي حرب خطابات غير مسبوقة منذ الحرب الباردة، اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد قليل، ومن على المنبر نفسه «ان رفض التعاون مع الحكومة السورية سيكون خطأ كبيرا».
وبدا بوتين مثل ملاكم يحاول رد اللكمات عندما اتهم ضمنيا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بأنه لا يحارب تنظيم «الدولة» إذ قال «ان الجيش السوري هو الوحيد الذي يقاتل الارهابيين في سوريا».
ثم صعد هجومه عندما مس وترا حساسا في الغرب بتشبيه التحالف المطلوب لمحاربة الارهاب بالتحالف «ضد النازية» خلال الحرب العالمية الثانية، مؤكدا ان الدول الاسلامية «يجب ان تلعب دورا رئيسيا» في التحالف.

وامام هذه «الدراما السياسية» النادرة، يمكن للمراقب ان يتوقف عند محطات اساسية، ومنها.
أولا: ان الكلمات القوية التي استخدمها الرئيس الامريكي بدت مثل «قنبلة دخان» للتغطية على موقف ضعيف ومتناقض في آن، اذ انه يندد، محقا، بما ارتكبه النظام السوري ضد شعبه، الا انه في الوقت نفسه يعلن التعاون مع الدول التي تعمل على اعادة تأهيله.

ويتجاهل هذا الخطاب ان الولايات المتحدة نفسها كانت اعلنت على لسان وزير خارجيتها جون كيري مؤخرا انها تقبل بوجود الرئيس السوري خلال الفترة الانتقالية، ما يعني ضمنيا انها مستعدة للتفاوض معه. وحيث انه لا يوجد اتفاق او حتى شبه اتفاق على ماهية «الفترة الانتقالية» في ظل التفسيرات المتضاربة لبيان «جنيف 1»، تبقى الحقيقة ان واشنطن التحقت ولو متأخرة بجملة من المواقف «الانقلابية» في اوروبا لمصلحة بقاء الأسد. اما الكلمات الرنانة فلا يمكن ان تغير واقعا بات معروفا، وهو ان الولايات المتحدة لم تمتلك ابدا استراتيجية متماسكة للتعامل مع سوريا، ما يجبرها اليوم على اللحاق بـ«قطار الحل السياسي» يوجود مؤقت للأسد. اما اشتراطه «عدم عودة الاوضاع إلى ما كانت عليه» فكلام مرسل، او ذر للرماد في العيون، قد يجد من يعلق عليه بالقول: ومن قال اصلا ان سوريا يمكن ان تعود لما كانت عليه؟

ثانيا: ان الرئيس الروسي يبني استراتيجيته على اساس صلب جوهره ان محاربة الارهاب في سوريا، وخاصة تنظيم «الدولة» (رغم تجاهله لوجود التنظيم في العراق)، قد فرضت نفسها كأولوية بالنسبة إلى الامن القومي للعديد من الاطراف المؤثرة في الغرب، وخاصة بعد تفجر ازمة اللاجئين. فعلى العكس من شواطئ الولايات المتحدة البعيدة عن الشرق الاوسط، فإن الحدود الاوروبية انكشفت هشاشتها امام تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين مؤخرا، خاصة ان القارة العجوز قد انقسمت بالفعل سياسيا واخلاقيا في مواجهة هذه الازمة غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.

ثالثا: ان اوباما يتحمل شخصيا قدرا كبيرا من المسؤولية عن الوصول إلى هذا المأزق، وعلى مسارين متوازيين: اولهما ان التحالف الذي اعلن تشكيله لمحاربة التنظيم في سوريا فشل في مجرد تحجيمه، وأقر بعض المسؤولين في ادارته بالحاجة إلى عشرين عاما للقضاء عليه، في الوقت الذي احتاجت فيه امريكا إلى عشرين يوما فقط لغزو العراق في 2003، ما تسبب في هذه الكارثة.
وثانيهما انه فشل في دعم وتعزيز ما يسمى بـ«المعارضة المعتدلة».

وإزاء هذا الفشل واستنادا إلى التجربة في العراق وفي ليبيا فيبدو ان الغرب يتجه لاختيار بقاء نظام الأسد مؤقتا رغم مسؤوليته الجنائية والاخلاقية والسياسية عن الكارثة في سوريا.

رأي القدس

حول الموقع

سام برس