سام برس
الازمة الخليجيّة تنعكِس “دمَويًّا” على الأراضي الليبيّة.. ومعركة طرابلس قد تكون الأخيرة والحاسِمَة.. من سيخرُج “الفائِز” فيها جيش “الجزيرة” أم “العربيّة”؟ ولماذا اختار المُشير حفتر هذا التّوقيت للزّحف إلى العاصِمة؟ وهل هُناك “صفقة” لتقاسُم الحُكم مع سيف الإسلام القذافي؟

رأي اليوم :

الحرب التي تندلع مُجدّدًا في ليبيا ليسَت بين قوّات الجيش الوطنيّ الذي يقوده المشير حفتر من ناحيةٍ، ورئيس الحُكومة المدعومة دوليًّا بقِيادة الرئيس فائز السراج، وإنّما أيضًا بين محطّة “الجزيرة” التي تُمثّل التحالف القطريّ التركيّ، وبين قناة “العربيّة” الدّاعمة للمُشير حفتر، وتُمثّل تحالف مُضاد تقوده الدول الأربع المُقاطِعة لدولة قطر، أيّ مِصر والسعوديّة والإمارات، إلى جانِب البحرين.

بمعنى آخَر تشهد الساحة الليبيّة حربًا إعلاميّةً تتوازى مع معارك عسكريّة دامية على الأرض، سيخرُج الفائز منها زعيمًا لليبيا الجديدة المُوحّدة، ولكن هذا لا يعنِي أنّها ستكون مُستقرّة بسبب تعقيدات الأزَمَة الليبيّة، والتدخّلات الإقليميّة والدوليّة من قبَل دول تسعى للاستِيلاء على الكعكة الليبيّة الدّسمة، جُزئيًّا أو كُلِّيًّا.

الإعراب عن القلق من تطوّرات الأوضاع في ليبيا هو الحاسِم المُشترك لجميع البيانات والتّصريحات التي تصدُر عن جهاتٍ دوليّةٍ عديدة هذه الأيّام، بِما في ذلك مجلس الأمن الدوليّ الذي عقد جلسةً طارئةً مساء الجمعة، ولكن هذا “التّكاذب” يعكِس رغبةً خفيّةً بدعم المُشير حفتر وزحف قوّاته نحو العاصمة طرابلس تحت عُنوان مُضلّل اسمه القضاء على الإرهاب.

المشير حفتر أقدم على هذه الخُطوة في توقيتٍ محسوبٍ بعناية، وبعد أن أخذ الضّوء الأخضر من دول خليجيّة ودوليّة كُبرى، إقليميًّا مِثل المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات ومِصر التي زارها قبل أن يُطلق رصاصة الزّحف الأُولى نحو العاصمة، ودوليًّا مِثل روسيا وفرنسا وأمريكا التي لا تُخفي رغبتها في وضع حدٍّ لحالة الفوضى في هذا البلد العربيّ الأفريقيّ، الذي يدفع ثمن تدخّل حِلف “الناتو” عام 2011 الذي أدّى إلى تغييرِ النّظام فيه، وتحويله إلى قاعدة انِطلاقٍ للهِجرة غير الشرعيّة نحو أُوروبا، ولتَجميع قوّاته لجماعات إسلاميّة مُتشدّدة.

الدّعم العسكريّ والسياسيّ من قبَل المُثلّث السعوديّ المصريّ الإماراتيّ لقوّات الجيش الوطنيّ الليبيّ بقِيادة المُشير حفتر لم يتوقّف طِوال السّنوات السّبع الماضي، واشتمل على دبّابات وعربات مُدرّعة، ومُعدّات عسكريّة مُتقدّمة، بينها طائرات حربيّة، علاوةً على عشرات المِليارات من الدّولارات.

تحديد لحظة “الصّفر” للهُجوم جاء في وقتٍ تعيش فيه قطر حالةً من الحِصار، وتركيا تراجُع في شعبيّة الرئيس رجب طيّب أردوغان، الدّاعم الحقيقيّ لحُكومة السراج، وغرق بلاده في أزمة اقتصاديّة، ربّما تتطوّر في ظِل تفاقُم خِلافاته مع الولايات المتحدة على أرضيّة صفقة الصّواريخ الروسيّة “إس 400”.

الكفّة تميل لصالح قوّات حفتر، ليس بسبب السّلاح القويّ والمُتقدّم الذي يتدفّق على قوّاته من مصادر عديدة، وإنّما أيضًا لأنه يحظى بدعم بعض القبائل القويّة المُوالية للزعيم الليبي السابق معمر القذافي مثل الورفلة والمقارحة، والعبيدات، وهُناك من يتحدّث عن صفقة بين سيف الإسلام القذافي والمُشير حفتر حول تقاسُم السّلطة في حال دُخول قوّات الشرق إلى طرابلس والسّيطرة عليها.

قوّات المشير حفتر سيطرت على الشّرق والجنوب ومُعظم آبار النّفط الليبيّة، ووصلت إلى مطار طرابلس الدوليّ، وسيطرت عليه لبُرهةٍ من الزّمن قبل إخراجها من قبل القُوّات المُوالية لحُكومة السراج، وهذا يعني أن معركة طرابلس المُتصاعدة ستكون هي الأخيرة والحاسِمة، ومن يخرُج مُنتَصِرًا منها سيكون الحاكم الجديد لليبيا.

الشعب الليبي مُنقسمٌ في هذه الحرب بين تأييد حكومة شرعيّة مدعومة دوليًّا ولكنّها ضعيفة عسكريًّا بقيادة السراج، ودعم من قوّات تابعة لمصراته وجماعات إسلاميّة، وأُخرى بقيادة المشير حفتر، ولكنّه أيّ الشعب الليبي، مُتّفق مع أمرٍ واحد، وهو وضع حد لحالة الفوضى وعدم الاستقرار التي دمّرت بلاده، وهجّرت حواليّ ثلاثة ملايين ليبي إلى دول الجِوار وأُوروبا، وحاله يُشبه حالة نظيره العراقيّ قبل الغزو الأمريكيّ عام 2003، حيث بات الخلاص من الحِصار هدفه الرئيسيّ.

يصعُب علينا التّنبّؤ بنتائج معركة طرابلس الحاسمة، ولكن في ظِل عدم وجود أيّ خُطط دوليّة أو إقليميّة لوقف تقدّم قوّات المُشير حفتر، فإنّ احتمالات فوز الأخير الذي جمع “الحُسنيين”، أيّ الدّعمين الأمريكيّ والروسيّ معًا، فإنّ فُرصه ربّما تكون أكبر بالفوز حتى كتابة هذه السّطور، والأمر المُؤكّد أنّ الشعب الليبيّ سيدفع ثمنًا باهظًا من دِماء وأرواح أبنائه للمرّة الثّانية.. واللهُ أعلم.

“رأي اليوم”

حول الموقع

سام برس