بقلم/ عبدالباري عطوان
ستّ تطوّراتٍ تُؤكّد أن بوتين بدأ “التّسخين” نوويًّا والهدف القادم دول البلطيق.. لماذا قد تكون لندن الهدف الأوّل لأيّ ضربةٍ نوويّة؟ وما هي السّيناريوهات المُحتملة بعد دُخول الحرب شهرها الخامس؟

الذين يعرفون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويُتابعون تحرّكاته جيّدًا ولغة جسده، خاصَّةً في واشنطن ولندن، قالوا إن اندفاعه نحو الكرملين مُنتصف ليلة أمس السبت يُنبئ عن عزمه اتّخاذ قرارات استراتيجيّة على درجةٍ كبيرة من الأهميّة والخُطورة، فليس من عادته أن يذهب في ساعةٍ مُتأخّرة إلى مقر قيادته، ولا بُدّ أن أمْرًا عاجِلًا استدعى هذه الخطوة.

لا ندّعي أنّنا نعرف طبيعة هذا المشهد والظّروف المُحيطة به، ولا أحد يستطيع أن يتكهّن بما يُمكن أن يترتّب عليه أيضًا، فكُل هذا يأتي في نطاق الأسرار العسكريّة العُليا لقائد دولة يخوض حربًا عالميّة بالتّقسيط المُريح، وتسير وفق خطّته التي أعدّها ومُستشاروه العسكريّون بكفاءةٍ عالية، تجسّدت أبرز فُصولها في اقتحام قوّاته للأراضي الأوكرانيّة وتحقيقها إنجازات عسكريّة وسياسيّة واقتصاديّة ضخمة أربكت خُصومه في العالم الغربيّ، والإدارة الأمريكيّة على وجه الخُصوص.

مع دُخول الحرب شهرها الخامس، يُمكن أن نُلَخِّص هذه الإنجازات، والتطوّرات “الطّازجة” في هذه الحرب في النّقاط التّالية:

أوّلًا: سيطرة القوّات الروسيّة على مدينة ليستشانسك الاستراتيجيّة بعد حرب شوارع، وكانت قبلها قد أحكمت سيطرتها على جارتها سيفردونيتسك، الأمر الذي جعل هذه القوّات تتحكّم بأكثر من خمس الأراضي الأوكرانيّة في جنوب شرق البِلاد، إن لم يكن أكثر، ويعكس تساقط المُدُن الأوكرانيّة الواحدة تِلو الأخرى في يد القوّات الروسيّة وحُلفائها.

ثانيًا: دُخول بيلاروس الحليف الأوثق لروسيا وجارتها الحرب بشَكلٍ رسميّ علنيّ، وإطلاق صواريخ من أراضيها استهدفت بلدة ديسينا الحُدوديّة حيث تجمّعت قوّات أوكرانيّة تضم بعض المُرتزقة وذلك للمرّة الأولى مُنذ بداية الحرب.

ثالثًا: اصدار الرئيس بوتين قرارًا بإرسال صواريخ “إسكندر إم” (مداها 50 كم) المُزوّدة برؤوسٍ نوويّة إلى بيلاوس، وتحديث طائرات “سوخوي 25” الحربيّة، التي تتواجد في ترسانتها العسكريّة للدّفاع عن نفسها “نوويًّا” في حال تعرّضها لهُجومٍ من حلف النّاتو الذي بدأ بالتّحشيد بالقُرب من حُدودها.

رابعًا: تعرّض العاصمة الأوكرانيّة كييف لقصف بعشرات الصّواريخ صباح اليوم الأحد، ونُشوب حرائق ضخمة فيها، ممّا يعني أنها ربّما تكون الهدف التّالي بعد تأمين السّيطرة الروسيّة على إقليم “دوناس” في الجنوب الشّرقي.

خامسًا: تصاعد المخاوف من إقدام القوّات الروسيّة على اجتِياح دول البلطيق الثّلاث، بعد وصول قوّات تابعة لحلف الناتو إليها، وإقدام ليتوانيا على إغلاق حُدودها في وجه بضائع مُتّجهة إلى روسيا، وفرض حِصار على مُقاطعة كالينينغراد، الأمر الذي اعتبرته القِيادة العسكريّة الروسيّة بأنّها طعنة مسمومة في الظّهر لا يُمكن أن تمر دُونَ عِقاب.

سادسًا: كشف الجِنرال الروسي المُتقاعد أندريه غوروليوف المُقَرَّب جدًّا من الرئيس بوتين أن العاصمة البريطانيّة لندن ستكون أوّل مدينة تتعرّض للقصف في حديثٍ تلفزيونيٍّ محسوبٍ بعنايةٍ أن سيناريو الحرب العالميّة الثّالثة سيبدأ بإسقاط أقمار صناعيّة، وقطع جميع إمدادات الطّاقة الروسيّة إلى أوروبا وقصف “جميع” قواعد الصّواريخ الأمريكيّة والغربيّة في أوروبا وتدميرها بنسبة 100 بالمئة.

كلام الجِنرال غوروليوف وتهديداته يجب أخذها بكُل جديّة، ليس لأنّه كان نائب قائد المنطقة العسكريّة الجنوبيّة في الجيش الروسي، أيّ قُرب الحُدود الأوكرانيّة، وإنّما أيضًا لأنّه ما زال عُضوًا في لجنة الدّفاع في مجلس الدّوما الروسي، وتهديده بقصف لندن أوّلًا، وعواصم أوروبيّة ثانيًا، يعني أن هذا القصف لن يكون بصواريخٍ تقليديّة، وإنّما بصواريخٍ نوويّة مِثل صاروخ “سارمات” الأسرع من الصّوت الذي أكّد الرئيس بوتين أنّه سيدخل ميدان الخدمة في الجيش الروسي قبل نهاية هذا العام.

هذا الصّاروخ سيصل إلى قلب لندن وباريس ووارسو في دقائقٍ معدودة وقُدرته التدميريّة عاليةٌ جدًّا، ويُمكن أن تكون فاعليّة رؤوسه النوويّة أكثر من عشرة أطنان حسب المعلومات المنشورة في مجلّات عسكريّة أوروبيّة مُتخصّصة ومداه 6000 كم.

بعض المُحلّلين في الغرب يعتقدون أن هذه التّهديدات التي يُصدرها الرئيس بوتين وبعض العسكريين المُقرّبين منه تأتي في إطار الحرب النفسيّة وردًّا على زيادة منسوب التّسليح الأوروبي والأمريكي للقوّات الأوكرانيّة في الأيّام الأخيرة، مِثل الأسلحة الثّقيلة والصّواريخ بعيدة المدى الأمريكيّة من نوع “هيمارس”، ولكنّ تجربة المِئة يوم الأولى من عُمر هذه الحرب أثبتت أن الرئيس الروسي يُهَدِّد ويُنَفِّذ، وسمعنا مِثل هذه التّحليلات قبل الاجتياح الذي أسقطها وغيرها الكثير.

الحرب الأوكرانيّة تتطوّر بسُرعةٍ وتتوسّع لتكون حربًا عالميّة ثالثة ونوويّة في ظِل غِياب أيّ وِساطات ناجعة للتوصّل إلى حُلولٍ سياسيّة تمنع هذا التطوّر، أو تُؤجِّله على الأقل، وتتجاوب مع مُعظم المطالب الروسيّة المشروعة في عدم توسيع عُضويّة حِلف النّاتو وإزالة جميع قواعد الصّواريخ الباليستيّة المُقامة على الحُدود الروسيّة.

صديقٌ عربيّ ودكتور في الاقتصاد يُقيم في موسكو مُنذ أربعين عامًا ويحمل الجنسيّة الروسيّة، ويعرف الرئيس بوتين جيّدًا وعن قُرب، هاتفني أمس، وقال لي إن روسيا تعيش حاليًّا حالةً من نشوة النّصر، وإن اقتصادها قويٌّ جدًّا، وعُملتها أقوى، والأسواق طافحةٌ بالبضائع، والرّوح المعنويّة عاليةٌ جدًّا مدعومة بالاستِقرار على عكس ما يجري حاليًّا على الجانب الأوروبي عندكم حيث الاقتصاد بتسارعٍ نحو الانهيار، وارتفاع في نسب التضخّم وغلاء المعيشة وهُبوط في قيمة العُملات، والقادم أعظم والكلامُ له.

الأيّام والأسابيع القادمة ستكون حاسمة وفارقة في مِلف الحرب الأوكرانيّة ومن الواضح أن البلدورز الروسي يتقدّم بسُرعةٍ ويَجرِف العديد من الحواجز أمامه اليوم في أوكرانيا وغدًا في البلطيق، وبعد غَدٍ ربّما بولندا.. واللُه أعلم.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس