سام برس
تجربة مع الفن المسرحي و معرض تشكيلي خاص للقول بالابداع كقيمة جمالية و انسانية جوهرية...

سفر مفتوح على الدهشة والحنين والحلم وفق المتاح في عوالم التلوين والمسرح لأجل تحقيق الذات

شمس الدين العوني

ثمة بهاء نائم في الأقواس و الأزقة و الأبواب و صراخ الفتية و بياض تلتحفه المر أة في ضروب كثيرة من الدهشة... وفي خشبة المسرح و ما تحيل اليه من خيال و حب و امتاع و ابداع...و الحكاية هنا هي هذا الذهاب الى الدواخل في شواسعها نحتا للكيان و تأصيلا له...انها فكرة الفن تقتحم عوالمنا اليومية بتجددها و انسيابها مثل نهر قديم يصنع موسيقاه التي لا نرى لها لونا غير صفاء الحال..و الأحوال..

خاضت التربة المسرحية لتعانق الركح من خلال دور في حكاية من حكاياتها هي وفق ولع و شغف بالمسرح كمجال للفعل الثقافي العميق ..و من تفاصيل التلوين و الرسم هامت بالأمكنة و منها المدينة و مشاهد أخرى قريبة منها حيث تنوعت معارضها الجماعية و الخاصة لتبرز جمال النظر و الحلم ..

تفعل كل هذا و كأنها تقول "...تأسرنا الذكرى و يقتلنا الحنين و ينهشنا الوجد..فنلوذ بالألوان و بالكلمات..ماذا لوحدثتك أيتها المعاني بشأن ما رأيت ..لكننه الحلم يبث شيئا من رغباته ينثرها على البياض ...في البياض..نعم ..مثلما تنثر فكرة ألوانها هناك..على الجدار ..في الجدران ..تدخل المدينة ....تدخل المكان الجميل ..هناك نعم تجد اللوحات و هي تسعد بك مثل فراشات من ذهب الأزمنة..و الأمكنة..كان سفرا ممتعا خضته ذات معرض هناك لتتواصل الرحلة ...".

كون من دهشة الجمال العابر للمسافات ..مسافات اللون و الحركة و الوجد و الشجن و الأمنيات و.....الأحلام..ان الأحلام هنا تصرخ ترتجي كلماتها ...هي أحلام بمثابة العناوين ابتكرتها الرسامة و هي تلهج بالصور و بالذكرى و النوستالجيا ...
( ماذا فعلت تلك الطفلة الطافحة بالحلم / و هي تمضي مع اللون .../ تلقي بالكلمات في عطور المدينة و الذكرى../ ماذا قال القلب لسيده تجاه خرائب الروح../ ثمة هيام و بهاء و امرأة بألوانها تضيء كل الجهات../ الآن يأخذ الأزرق و الأحمر و الأصفر كل غنائنا و نواحنا الخافت / الى الجهة الأخرى/ و أعني باب القلب.. / بين السوق و حفل مدينة زاخرة بالحنين.. / لم يكن للشاعر عندها غيرهذا الذهول... / فكيف له اذن أن يقول جكاية ألوانها و لا تحترق الكلمات لديه.. ).

الأعمال في تلويناتها قالت بالوجدان تجاه الأمكنة و المشاهد و جمال مناطق من تونس فضلا عن التعاطي مع الجسد الذي تراه الرسامة حيزا دلاليا مفعما بالتأويل و القراءات..

...و الفن هنا تجوال حارق و باذخ بين مشاهد و تفاصيل و أمكنة..بكثير من الشجن..و الآه..اللوحات تقول بتونس الساحرة ..و الألوان تصرخ بالصفاء النادر..هذا ما فعلت بنا زينب و نحن نقف أمام اللوحات بمعرض بئر الأحجار..نقف قدام الأعمال الفنية التشكيلية ..نحاولها ونحاورها ..قتلا للمألوف و المعتاد و لليومي الكامن فينا برتابته و للماكث فينا أيضا من عنفوان التلقي و الفهم و التأويل...المجد للألوان تعلن علينا الحرب الجميلة...حرب النوستالجيا الحديثة..و اذن فلا عزاء للمتقبل غير النظر بعين القلب ..

الرسم لدى الفنانة التشكيلية زينب النفزي و كما تقول هي "..الفن فسحة وجدان و عبارة تجاه ذواتنا و العالم و الآخرين ..في لوحاتي سعيت لهذا الذهاب الى الكينونة ..اللوحة بمثابة القصيدة الفكرة و الصورة و فسحة الخيال الكامن بداخلي..أرسم لأعبر عن كياني و أرمم ما تداعى بداخلي..بداخل هذا الكون المربك الذي تتقاذفه أمواج العولمة و التداعي و السقوط.."

تجربة الفنانة زينب النفزي تحرك فينا الأسئلة و تدعونا طوعا و كرها للذهاب الى شواسعنا مدججين بالأسئلة..
( باب ولا عتبة.. / خلف الباب باب يبكي بابا / لكم بكت الأبواب حين أضعنا المفاتيح
صرير الباب أغنية لأنثى الباب ردت وردتها و أردت العاشق / على كمنجاته طافحا بالريبة
مسموما...).

و أنت تتوغل بالنظر و التأمل في اللوحات تكتشف أن الرسامة أتقنت اختزال الفكرة حين بثتها في اللوحة من خلال الجزئيات و التفاصيل وعيا منها بجدية التعاطي التشكيلي مع المواضيع و التيمات التي اشتغلت عليهاو يبرز ذلك بالخصوص في التمكن من فن الرسم و استحقاقاته الجمالية و الفنية.. ( الأبواب..الأقواس..الحوانيت / الأزقت المتسعة في ضيقها.. / الباعة ..الرجال..صخب الأطفال..... / لكل هؤلاء و لأجلهم.. / تقف المراة ملتحفة بالدهشة و بالبياض..

معرض تتلوه معارض أخرى للرسامة زينب في تونس و هي تعد لمعرضها الشخصي برواق بالعاصمة .. و سعي و نزوع نحو المغامرة التشكيلية بكثير من الوفاء و البحث المفتوح و الذهاب مع العناصر و التفاصيل و الأشياء في عالم معتل...و به الكثير من جنون البشر..

و ما الفن ان لم يكن مثل هذا الذهاب في البعيد من حيرتنا القديمة و سؤالنا الحارق و دهشتنا الطافحة بالصمت ..رحلة مفتوحة على الدهشة و الحنين و الحلم وفق المتاح في عوالم التلوين و المسرح و لأجل تحقيق الذات في هذا السفر الانساني المفعم بالابداع و الامتاع.

حول الموقع

سام برس