بقلم/ سفيان محمد
على مدى أربعين عاماً من ممارستي للرياضة بصفة عامة ، وكرة القدم بصفة خاصة؛ لاعباً وناقداً ومحللاً رياضياً، تواردت إلى سمعي العديد من الشعارات؛ التي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب تمريرها على مجتمع الرياضة العالمي ، ولعل أبرزها شعار فصل الرياضة عن السياسة ، باعتبار الرياضة نتاج إنساني إبداعي عالمي موحد للشعوب.

شاهدت في غير مرة سقوط هذا الشعار ، وفي كل مرة كانت قناعتي تتأكد بأن الغرب يحاول جاهداً وبكل الوسائل تمرير ما يشاء علينا ، يفعل ذلك وقت ما يشاء دون أدنى اعتبار لخصوصيات المجتمعات المحلية وقيمها الاجتماعية والدينية.

هذه المحاولات الحثيثة تخللتها العديد من الشواهد، لعل أبرزها حملة المقاطعة المجنونة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية، والعديد من الدول الغربية ضد روسيا في كل المجالات ، ومنها الرياضة من خلال حرمان المنتخب الروسي لكرة القدم من لعب المباراة الحاسمة في التصفيات المؤهلة لكأس العالم قطر 2020م، إضافة الى منع الأندية الروسية من المشاركة في البطولات الأوروبية ؛ مثل : دوري الأبطال ، الدوري الأوروبي؛ بل إن الغرب تجاوز تناقضاته ما بين القول والفعل، فظهرت بعض الأصوات المتطرفة ، التي نادت بحرمان المنتخب الإيراني المتأهل الى كأس العالم الأخيرة من المشاركة في البطولة ، بدعوى دعم إيران للمجهود العسكري الروسي في الحرب مع أوكرانيا.

التناقض الأمريكي الغربي بين القول والفعل، تجاوز الرياضة وصولاً الى الرغبة في تغيير السلوك الإنساني ؛ الترويج للمثلية مثال حي تعبر عنه محاولة إجبار المنتخبات الوطنية والأندية خوض المنافسات الرياضية بتجهيزات (ملابس) تحمل شعار (قوس قزح)، ومعاقبة الممتنعين عن المشاركة بالتحقيق والعقوبة؛ كما حدث للسنغالي إدريسا غي؛ لاعب نادي سان جيرمان الفرنسي بإخضاعه للتحقيق من قبل الاتحاد الفرنسي للعبة.

بعيداً عن شعارات الغرب المخادعة فقد ارتبطت السياسية بالرياضة؛ بشكل وثيق على مدى سنوات عديدة حيث استخدمها الحكام الديكتاتوريون و(الديموقراطيون) على السواء لتجميل صورهم، وصور دولهم في الخارج من جهة، وللنكاية بخصومهم من جهة أخرى، فقد عزز موسوليني موقعه في السلطة من خلال الهيبة التي اكتسبها بعد حصول منتخب إيطاليا على بطولة كأس العالم في بطولتي 1934 – 1938م ، بوصف البطولتين رمزاً للتفوق وقوة النظام الحاكم وقوة عقيدته.

ففي بطولة كأس العالم1934م في إيطاليا تحديداً، شارك موسوليني شخصياً في اختيار حكام المباريات للتأثير على النتائج ، وحرص على الحضور شخصياً في كل مباريات منتخب بلادة.

وهو نفس ما فعله أدولف هتلر عند افتتاحه الألعاب الأولمبية 1936م في ميونيخ ، حيث قال جوبلز مسئول الدعاية النازية: إن الفوز في مباراة دولية أهم من السيطرة على مدينة ما.

متلازمة الرياضة والسياسية تعززت خلال الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا ، حيث أولت القوتان الأعظم اهتماماً كبيراً لتعزيز قدراتهما الرياضية، كنوع من الدعاية لقوتهما وتفوقهما.

التنافس (الصراع) السياسي الرياضي، وصل الذروة بمقاطعة أمريكا والعديد من الدول الغربية الألعاب الأولمبية بموسكو 1980م، احتجاجا على غزو أفغانستان، وفي المقابل قاطعت روسيا وعدد من الدول الشرقية الألعاب الأولمبية في لوس أنجيلوس 1984م.

تداعيات الحرب الباردة على الرياضة تجاوزت المقاطعة المتبادلة بين الطرفين؛ بمواجهة مباشرة بين لاعب الشطرنج السوفيتي بوريس سباسكي ونظيرة الامريكي بوبي فيشر، فقد فيها اللاعب السوفيتي لقبة العالمي، وانعكست علية هذه الخسارة الرياضية على شكل موجة من الانتقاد الإعلامي والشعبي، حيث اعتبرت الهزيمة إهانة للدولة بالكامل، ما دفع اللاعب الى مغادرة البلاد والحصول على الجنسية الفرنسية.

أما أكثر الحالات تأكيداً على ترابط السياسية بالرياضة، فهو ما عرف بحرب كرة القدم؛ والتي اندلعت بين السلفادور وهندوراس، على خلفية خسارة منتخب هندوراس مباراته الفاصلة في 1969م، وهي المباراة المؤهلة لكاس العالم 1970م في المكسيك، حيث قامت طائرة هندوراسية بخرق أجواء السلفادور، وقصف كتيبة سلفادورية، الأمر الذي أدى الى قيام السلفادور باجتياح أراضي هندوراس بعمق 40 كيلومتراً.

حرب جزر فوكلاند بين بريطانيا والأرجنتين ، كانت صورة أخرى لترابط السياسية بالرياضة، فقد أدى احتلال بريطانيا للجزر الأرجنتينية؛ الى حالة واضحة من العداء بين مواطني البلدين، والعراك المباشر خلال كأس العالم 1986م في المكسيك، وجاء تصريح ديجوا مارادونا بعد الفوز على منتخب إنجلترا في البطولة؛ أن الانتصار رد اعتبار للأمة الأرجنتينية، دلالة واضحة على هذا الترابط.

لم يقتصر الترابط بين الرياضة والسياسية على الصراعات بين الدول والتكتلات السياسة، وإنما استخدم أيضاً من قبل عديد الدول ، من خلال استضافة كبرى البطولات العالمية؛ كأس العالم، الألعاب الأولمبية، تحديداً بهدف إبراز تطورها، وترويج وجهها الحضاري، وتحويلها الى قوى ناعمة مؤثرة في القرار الإقليمي والدولي.

بعيدا عن الممارسات الانتهازية والمتناقضة، وبعيداً عن الشعارات المخادعة، وحملة تغيير السلوك الإنساني؛ التي يقودها الغرب؛ ستظل الرياضة بصفة عامة وكرة القدم خاصة، واحدة من أهم الأنشطة الموحدة لشعوب العالم، وفضاءً كبيراً للإبداع؛ دون اعتبار للجنس والثقافة والعقيدة، وستظل متنفساً حقيقياً لشريحة واسعة من الناس.

* ناقد ومحلل رياضي

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس