سام برس/ احمد الشاوش
لليمن تقاليد خاصة وطابع فريد وجمال ساحر ونكهات عجيبة واكلات طيبة واسمار سعيدة في شهر رمضان المبارك ، كون هذا الشهر العظيم له مكانة خاصة وروحانية عجيبة تجمع بين الصيام والصلاة وقراءة القرآن الكريم في المساجد والبيوت والمؤسسات والمحلات التجارية والاسواق فما من مكان الا وفيه صوت يردد اسم الله وما من بقعة الا ولها سحرها الآسر وبصمتها التاريخية..

ومن العادات والتقاليد اليمنية على المستوى الرسمي والشعبي ، ان وزارة الاوقاف قبل حلول شهر رمضان المبارك تقوم بتنظيف المساجد من خلال تقديم أعمال الصيانة والرنج والانارة وغسل المفارش أو احضار فراش جديد وتفقد دورت المياه ومعرفة الاحتياجات الضرورية بهذه المناسبة كما يقوم سدنة المساجد والمهتمين من أبناء الحارات بنظافة المساجد تطوعاً اولاً بأول بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك لنيل الثواب من الله .

*مساجد عامرة بالمصلين :

مساجد اليمن ممتلئة بالمصلين من الشيوخ والشباب والاطفال الذين يؤدون الصلوات الخمس جماعة وصلاة التراويح والقيام و يقرأون القرآن الكريم ويتدارسون السيرة النبوية الشريفة وينضمون حلقات الذكر والدروس في الفقه والفرائض وغيرها من الدروس الروحانية التي يتقرب الناس بها الى الله سبحانه وتعالى ويستزيدوا من فيضه وعجائب قدرته بما يفيديهم في حياتهم العلمية والعملية والدينية وخير دليل على ذلك الجامع الكبير بصنع والجامع الكبير بالحديدة وجامع الجند وغيرها من المساجد المشهورة بالفروض والعلم.

*اكلات لذيذة ومشروبات تنعش الروح :

ويعيش اليمنيون قبل حلول شهر رمضان بيوم حالة خاصة وفريدة ولحظات شوق ومواعيد على مستوى الاسر والأصدقاء وهو اليوم المشهور المسمى " يانفس ما تشتي " والذي يُعتبر خورة لأكل كل ما لذ وطاب في البيوت والمطاعم .

وتزخر موائد اليمنيين في شهر رمضان المبارك بالعديد من الاطعمة والحلويات والمشروبات التي تسد الجوع وتنهي العطش وترد الروح وتقوي البدن بعد يوم من الصيام ، وما أن يحين وقت اذان المغرب حتى يبادر اليمنيين الى الافطار في المساجد على شكل حلقات وكل حلقة تُمثل مائدة تحتوي على الماء والتمر والسحاوق والحامضة والسنبوسة حتى ان بعض الناس يأتي بالسلته في لحظة ربانية وتكافل وتراحم انساني يعجز الانسان عن وصفة.

*فطورك ياصايم :

وما أن ينتهي المصلين من اداء صلاة المغرب حتى يعودوا الى البيوت والمنازل وموائد الشهر الكريم زاخرة بالعديد من الاطعمة والمأكولات وتناول قهوة البن اليمني الاصيل ، وفي مقدمة السفرة صحن "الشفوت " المكون من اللحوح والسلطة والسحاوق والذي يُعد من أبرز المأكولات الشعبية اليمنية التي لها مذاق طيب ونكهة عجيبة ولا تخلو أي مائدة رمضانية منه.

كما تُعتبر الُشربة الساخنة المكونة من الخضار واللحم أو الجشوش " البر المجروش" أو الشوفان مع الحليب من الطيبات المحببة لتدفئة المعدة وانعاشها ومد الجسم بالفيتامينات الطبيعية..

كما ان للسلتة الشعبية أو مايُعرف بـ" الحلبة" المكونة من مرق اللحم البقري أو الدجاج المسلوق مع كبيبات الدقة" اللحم المفروم" والبطاط والباميا والبعض يكتفي بالفحسة طعم خاصة ولذة ونكهة مغرية لكل صائم لاسيما أن بعض نساء صنعاء أكثر الناس احترافاً لعمل تلك الاكلة الجميلة واللذيذة ، بل ان البعض من النساء أكثر مهارة من الطباخين في المطاعم نتيجة للنفس والخبرة المتراكمة والذوق الرفيع.

إضافة إلى ذلك فإن للحلويات الصنعانية حيز كبير في المائدة اليمنية لاسيما في العاصمة صنعاء وفي الطليعة بنت الصحن والرواني والبقلوة والشعوبية والقطايف والمحلبي ، كما دخلت على السفرة اليمنية أصناف جديدة من الحلويات من بينها الجيلي والكرملا.

كما ان للمشروبات التي تنعش المعدة سحر خاص في رمضان ، من بينها قهوة القشر والبُن والشاي التي يتم تناولها أثناء السحور والفطور ، بالاضافة الى العديد من الاشربة والعصيرات مثل شراب الزبيب والقديد "قمر الدين" والعناب والكركدية وغيرها مايضفي خصوصية يمنية فريدة في ثقافة الطبخ والاكل والاشربة التي جمعت بين الماضي والحاضر والقديم والجديد بطريقة محلية توارث خبراتها اليمنيون .

*التراحم :

طبيعة المجتمع اليمني يغلب عليها الطابع الديني والقبلي والانساني الذي يقوم على قاعدة صلبة من العادات والتقاليد والاعراف النبيلة الذي يميل الى الرحمة والتكافل والتراحم وجبر الخواطر ووحدة الصف ، ويتجلى ذلك من خلال المبادرات والسلوك الايجابي بين الجيران والاهل والاصدقاء لتمتد أيادي الخير الى الكثير من الفقراء والمحتاجين لاسيما في الشهر الفضيل تقرباً الى الله وعوناً لمن به فاقة أو تقطعت به السبل ، بأعتبار تقديم المساعدات فرصة كبيرة للحصول على الحسنات واذهاب السيئات.

*جبر خواطر:

كما أن الشهر الكريم يُعتبر فرصة لزيارة الاسر والارحام سوى على مستوى الرجال او النساء لجبر الخواطر وتبادل بعض الاطعمة والحلويات والقهوة لتعزيز الروابط الاسرية والاخوية والانسانية وحل بعض الحساسيات والمشكلات الاجتماعية بين بعض الاسر كمناسبة سعيدة جامعة للجميع.

في حين يفضل بعض اليمنيين الجلوس في بيوتهم مع اسرهم لمضغ القات وقراءة القرآن الكريم او الحديث في بعض العلوم ، كما تفضل بعض النساء البقاء في البيوت لتناول الاحاديث والمجابرة ومشاهدة التلفاز وغيره بعد يوم من الصيام والعمل والارهاق للترويح عن النفس .

بعد تناولهم الفطور وصلاتهم للتراويح، كما يتبادلون الأحاديث المختلفة في أجواء سعيدة، أو يتحلقون حول شاشات التلفاز لمتابعة البرامج والمسلسلات التي يتم عرضها في رمضان.

*أسواق رمضان :

واما أسواق رمضان فهي الاجمل والاروع ليلاً ونهاراً بمحلاتها التجارية ودكاكينها الصغيرة وبسطاتها المتواضعة وعربياتها التي تقف وسط الاسواق وفي الزوايا ، بما تحتويه من الاطعمة والماكولات والحلويات والسنبوسة والفواكة والخضروات والاشربة والعصيرات والتمور وترديد أصحاب التمرو كلمات فطورك ياصايم ، والملابس المنوعة وحركة الناس العجيبة التي تحمل السعادة والبؤس والنرفزة والعراك وتحمل الآخر وفقدان التوازن نتيجة السهر وطبائع البشر التي تحول الاسواق الى دراما ومسرحاً للاحداث السعيدة والحزينة والتي ما تنتهي بتدخل الاخرين وتقديم النصح والتسامح بذكر الله والصلاة على رسول الله.

*نظافة واحتفالات بقدوم رمضان :
قبل حلول شهر مضان المبارك شاركت الكثير من المؤسسات الحكومية والمسؤولين والمواطنين وسكان الاحياء في حملة نظافة شاملة بالعاصمة صنعاء وغيرها من المدن اليمنية ، ايماناً بعظمة النظافة واستعدادا للشهر الكريم الذي يُعد مدرسة روحية ومنارة للوعي وطهارة للقلب والبدن وسلوك إيجابي تتجلى فيه كل المعاني تجسيداً لقول الرسول صلى الله عليه واله وسلم "النظافة من الايمان" ، وما ان تم الإعلان عن رؤية هلال رمضان حتى أستقبل اليمنيون الشهر المبارك بأجواء احتفائية متنوعة تضمنت تزيين المنازل والبيوت والمحلات التجارية وترديد العديد من الأهازيج والاناشيد الدينية والاصوات الجميلة التي يرددها ، كما انها لا تخلو من ترديد الكلمات والاصوات الشعبية على المدرهة وغيرها من التجمعات والفعاليات والعادات التاريخية المتوارثة تاريخاً التي تعكس عظمة وقدسية الشهر الكريم..كما يردد الاطفال في شهر رمضان المبارك الاغاني الجميلة من بينها :

"يا رمضان يا أبو الحماحم.. شهر التقى والخير دايم..
يا رمضان يا أبو الحماحم.. ودي لأبي قرعة دراهم
يا رمضان يا شهر العبادة.. من صامك أجره زيادة..

وهكذا يُعبر الاطفال عن سعادتهم وبهجتهم بقدوم الشهر المبارك.

*أقوال مأثورة :

شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن ، شهر بركة يسعد قلوب المسلمين في كل أنحاء العالم بقدومه ، وله خصوصية في اليمن ، وقد وردت في فضله الكثير من الحكم والاوقال المأثورة ومنها على سبيل المثال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصيام جنة ، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم".

وقال عليه السلام : من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.رواه: أبو هريرة.

وقال بعض الحكماء إن صيام شهر رمضان هو صيام الروح عن المحرمات وصوم العقل وصيام الجوارح جميعًا ، وفضائله لا تُعد ولا تُحصى.
لذلك فإن شهر رمضان الكريم هو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، فقد خاب من أضاع صيام هذا الشهر الكريم ، وهنيئاً لمن أدرك فضل ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

*والشهر الكريم ليس لمشاركة الولائم والعزومات ، بل هو شهر التعبد للخالق والتأمل في تهذيب النفس البشرية في الدنيا وسعي العبد في العمل لآخرته.*الصيام فريضة توسع الصدر، وتزيل الهموم وتقوي الإرادة، وتعلو شأن صاحبها إلى أعلى المنازل ، كما ان الصوم مدرسة وتطهير للاجسام من الهموم والذنوب .

*وقال بعض الحكماء ان الصوم ثلاثة: صيام الروح وينم عن قصر الأمل ، وصيام العقل يعبر عن مخالفة هوى النفس ، وصيام الجوارح وما يعني الإمساك عن الأكل والشرب.

حول الموقع

سام برس