بقلم/ الدكتور / علي أحمد الديلمي
سعت إسرائيل منذ قيامها إلى تعزيز مجموعة مفاهيم تنطلق منها لحماية وجودها في المنطقة إذ أنها قامت على حشد كامل الطاقات السياسية والعسكرية لترسيخ حقيقة "الوطن القومي لليهود" والتي لا يمكن أن تتشكل في ظل وحدة جغرافية عربية وهو ما تسعى له في إبقاء حالة التفتت العربي بشكل أساس ومجابهة الخطر الإيراني من جانب آخر إذ يتصدر هذا الأخير أوليات تل أبيب من خلال السيطرة بعناصر القوة التي تمتلكها والمتمثلة في السياسة والتعليم والتقنية والاقتصاد والقوة العسكرية والاستخباراتية

ما هو أكثر وضوحا اليوم من أي وقت مضى بعد ضرب الطيران الحربي الاسرائيلى يوم الجمعه 27 سبتمبر 2024 حزب الله و تدمير الضاحيه الجنوبية في بيروت والتى تعتبر الحاضنة الشعبية الأساسية لحزب الله بما في ذلك عمليات القتل المستهدفة لكبار قادة حزب الله وتفجير آلاف أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكية التي يستخدمها كوادر حزب الله ان هذه الضربات تعتبر حربا شاملة لتدمير حزب الله كما تم تدمير حماس

هذه الهجمات والعمليات أدخلت قواعد جديدة في الحرب مع حزب الله غير ماكان معروف منذ فترة طويلة والتي كانت تحكم توازن الردع بين الجانبين والتى تم استبعادها من قبل اسرائيل بعد طوفان الأقصى في الصراع مع حزب الله و كان مؤكدا أن إسرائيل لن تغتال كبار القيادات من حزب الله ولكن ماجرى هو ان اسرائيل غيرت قواعد الصراع وبدأت في اتخاذ سياسة وقواعد جديدة مع اتساع الهجمات من الجانبين في العمق وبداءت اسرائيل في استهداف المزيد والمزيد من كبار قادة حزب الله وهذا اكد طبيعة التفوق التكنولوجي والاستخباراتي للاسرائيليين في هذه المواجهة حيث مثل خطاب رئيس الوزارء الاسرائيلى بنيامين نتانياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 27 سبتمبر 2024 في نيويورك تهديدا مباشرا ضد أيران والاستمرار في تدمير حلفائها من أعلى منصه عالمية

قد يستغرق الأمر بعض الوقت لفهم الأهمية الكاملة للتداعيات المترتبة على ضربة يوم الجمعة ضد حزب الله وهل نتنياهو وقادته العسكريين خاضوا هذه المغامرة الكبيرة من اجل تدمير حزب الله وتأمين شمال اسرائيل ألذى نزح منها عشرات الآلاف بسبب صواريخ حزب الله بالإضافة إلى ذلك هل كان هناك حسابات من جانب قادة اسرائيل لما يتصل بالمنطقة الأوسع وردود الأفعال وعلاقات اسرائيل مع شركائها الدوليين الذين يبذلون جهودا مكثفة بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا للتوسط في وقف إطلاق النار مع حزب الله

ان ماقامت به اسرائيل يعتبر أهانه في طريق كل الجهود الدولية والعالم ودعوات وقف إطلاق النار وتحديا مباشر ل أيران التى يمثل حزب الله وقيادته حليفها الإقليمي الاستراتيجي الأكثر رعايه والتى تمده بعشرات الآلاف من الصواريخ التي تستهدف إسرائيل منذ فترة طويلة وتعتبرها ايران درعًا استراتيجيًا رئيسيًا يمنع هجومًا إسرائيليًا على إيران نفسها

الآن كل الرهانات أصبحت غير مؤكدة بعد هذه الضربات العنيفة والمكثفة والتي دمرت نسبة كبيرة من قدرة حزب الله العسكرية وهزت قيادة حزب الله وقدرته على السيطرة وأظهرت اسرائيل كقوة عسكرية واستخباراتية قوية في مواجهة أيران وحلفائها

السؤال الأكثر اهمية اليوم هو هل أيران فعلا غير معنية بهذه الحرب ولا تستطيع الدفاع عن حلفائها وكل ماتستطيع القيام به هو العمل من خلال الحلفاء ولا يمكن ان تكون في صراع مباشر مع اسرائيل واكثر مايهمها مصالحها وتحسين علاقاتها مع الغرب هذا اصبح مؤكدا من خلال التصريحات الإيرانية التى تحمل معظمها مضامين الإدانة وعدم توسيع الصراع في مقابل تفوق اسرائيلي في الجانب السياسي من خلال صفقة القرن وسياسة التطبيع وعسكري من خلال ضرب جميع حلفاء ايران في المنطقة ولايستبعد ان تكون ايران ضمن اهداف اسرائيل العسكرية في الفترة القادمه

*سفير بوزارة الخارجية

حول الموقع

سام برس