بقلم/ الدكتور/ حسن حسين الرصابي
في كل مؤسسة ومجتمع، يبرز نمط من المسؤولين يحمل في ظاهره كل علامات الكفاءة والنزاهة والالتزام، لكنه في الحقيقة ليس إلا واجهة مزيفة تستر وراءها الفساد والتلاعب. هذا المسؤول، الذي يتوشح ببريق الشهرة ويتقن فن رفع الشعارات الرنانة، هو ممثل بارع يؤدي دوره بإتقان أمام الجمهور، بينما تدور في الخفاء آلة مصالحه الشخصية الضيقة.
1. صانع الأمجاد الزائفة: الوجه المضلل
الوجه الأول لهذا المسؤول هو "صانع الأمجاد الزائفة". إنه يتقن فن التنظير والحديث عن الخطط الطموحة والاستراتيجيات الكبرى، ولكنه يبتعد كل البعد عن التطبيق الفعلي على أرض الواقع. إن اهتمامه الحقيقي لا ينصب على خدمة المواطنين أو الوطن، بل على تسويق ذاته وبناء صورته كـ "قائد لا يُشق له غبار". يعتمد بشكل أساسي على الكلمات البراقة والوعود اللامعة في خطاباته، في حين تظل الإنجازات الحقيقية سراباً يلهث وراءه المواطن.
2. المتآمر على الكفاءات: حرب خفية على الإبداع

أما الوجه الآخر والأكثر خطورة، فهو "المتآمر على الكفاءات". يدرك هذا المسؤول أن وجود الكفاءات الحقيقية والقدرات المبدعة يهدد سطوته ومكانته المزيفة، لذلك يشن حرباً خفية ممنهجة على كل من يمتلك قدرة أو إبداعاً حقيقياً. يعمل جاهداً على تهميش المبدعين، ويخنق الطاقات النيرة، ويحاول حبس الأفكار الجريئة، خوفاً من أن تكشف هذه الإنجازات حقيقته وتظهر ضعفه الإداري. إنه يفضل أن يكون محاطاً بدائرة ضيقة من الأتباع الذين يطيعون أوامره ولا يجرؤون على التفكير خارج صندوقه المحدود.
3. المحاط بالمنافقين: دائرة المصالح الشخصية
وهنا يأتي الجانب الأعمق والأكثر تأثيراً: "المحاط بالمنافقين". هذا المسؤول يحيط نفسه بدائرة ضيقة من المنتفعين والمنافقين، ممن يتقنون فن التزلف والولاء الشخصي على حساب المصلحة العامة. يستمع فقط لمن يسبح بحمده ويؤكد على صواب قراراته حتى لو كانت خاطئة، ويبعد الكفاءات الحقيقية التي قد تقدم النقد البناء أو الرأي المخالف أو البدائل الأفضل. هو لا يتردد في تفضيل الأقارب والأصدقاء وأصحاب الأنساب على حساب الكفاءة والخبرة والجدارة، محولاً المؤسسة إلى ما يشبه مزرعة خاصة يقطف ثمارها هو ومن حوله. هذا السلوك يخلق بيئة عمل سامة يكون فيها الولاء الشخصي أهم بكثير من الإنجاز المهني.
4. نهب الموارد والتلاعب بالقوانين: الفساد الأكبر

لكن الفساد الأكبر والأكثر تدميراً يتجسد في "نهب الموارد والتلاعب بالقوانين". هذا النوع من المسؤولين يرى في منصبه فرصة ذهبية لا تعوض لتحقيق الثراء غير المشروع. هو محترف في التجاوزات الإدارية، يتجاهل الخطط والأنظمة الموضوعة، بل ويضع لوائح وقوانين جديدة مصممة خصيصاً لخدمة مصالحه ومصالح المقربين منه. يسطو على الاعتمادات المالية المخصصة للمشاريع، ويوجه العقود نحو من يخدمون أجندته، محولاً ثروات الوطن ومقدراته إلى مكاسب شخصية سريعة.

الخلاصة: الثمن الباهظ للفساد المقنّع
في نهاية المطاف، يمكن التعرف على هذا المسؤول من خلال نتائجه الكارثية على المدى الطويل. إنه السبب الرئيسي في تدهور الأجواء العامة في المؤسسة، وتخلخل الاستقرار، وضعف الانتماء والروح المعنوية. فالمواطن الذي يرى خيرات بلده تُهدر، ومصالح الوطن تُقدم على مذبح المصالح الشخصية، يفقد ثقته ليس فقط في هذا المسؤول الفرد، بل في المنظومة بأكملها. هذا هو المسؤول الفاسد، الذي يبيع ضميره من أجل تحقيق مطامعه، تاركاً وراءه خراباً اقتصادياً وإدارياً واجتماعياً يصعب إصلاحه بسهولة، ويدفع الوطن والمجتمع ثمنه غالياً.

حول الموقع

سام برس