بقلم/ عائشة سلطان
عندما استدعى أحدهم بيت الشعر الشهير لأبي الطيب المتنبي الذي يقول فيه :

لا خيلَ عندَكَ تهديها ولا مالُ

فَليُسعدِ النطقُ إِن لَم تُسعدِ الحالُ

شعرت كأنني أسمعه للمرة الأولى، فكم كان أبو الطيب لماحاً، وشديد الحساسية تجاه مكارم أخلاق الرجال، هو الذي صاحب أنواع البشر، واحتمل الكثير منهم، وصاحب أولي الشأن وصبر على تقلب أمزجتهم وتعاليهم، فحتى عندما وشى به حاسدوه ليوغروا قلب سيف الدولة عليه، فقام هذا بقذفه بمحبرة أصابته وأسالت دمه، فقد صبر على تعالي سيف الدولة وغضبه وارتجل البيت الشهير:

إنْ كانَ سَرّكُم ما قالَ حاسِدُنَا

فَمَا لجُرْح إذا أرْضاكُم ألَم

لقد أراد أبو الطيب أن يعطي مثالاً على العطاء دون جرح لحساسية النفس العربية المجبولة على الكبرياء والأنفة، فقال ذلك البيت: لا خيلَ عندَكَ تهديها ولا مالُ … الخ

تلخيص نبيل لمعنى (جبر الخواطر) والدفع بالتي هي أحسن، أي الإحسان بالكلمة والابتسامة وعدم التمادي في الإساءة وتجريح كرامات الآخرين لأي سبب، ومهما كانت مكانتك ومهما علا قدرك، ففي بنك التعاملات الإنسانية هناك ما يسمى اليوم (الاستثمار أو التوفير في حساب العطاء) بحسب الكاتب البرازيلي باولو كويلو، فليس المهم أن تعطي، لكن أن تعطي ودون أن تتبع عطاءك منّاً ولا أذى.

لو طلب من كل واحد منا اليوم أن يفتش في ذاكرته عن مواقف شعر فيها بأن يومه قد أغلق منذ بداياته، أو أن حالة البهجة التي كانت تملؤه قد انطفأت بسبب شخص ما قابله فقذف في وجهه بضع كلمات آلمته، أو أطلق لنفسه العنان فأفرغ على رأسه دون تفكير شيئاً من غضبه وتجهمه وسوء خلقه، فكم سنتذكر وماذا بالضبط؟ بالتأكيد سنحمد الله على نعمة النسيان.

يقول الروسي أنطون تشيخوف متحدثاً إلى كل قلب لديه شيء من الإدراك بما يُحدِثه وقع كلامنا وتصرفاتنا على الآخرين: «عليك أن تعلم علم اليقين، بأن المرء يخوض صراعاً بينه وبين نفسه كل يوم، مع ألف هم وألف حزن ومئة ضَعف ليخرج أمامك بكل هذا الثبات».

نقلاً عن البيان

حول الموقع

سام برس