بقلم/ غسان يوسف
من سخريات القدر كما يُقال أن تكون سوريا من أكثر البلدان المعنيّة بفوز الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في انتخابات الإعادة التي جرت في الثامن والعشرين من مايو الحالي، على الرغم من العداء الطويل بين البلدين، الذي بدأ في العام 2011 ، لكنّ دمشق قد تكون اليوم مرتاحة لفوز إردوغان في هذه الانتخابات، لسببين:

الأول: أنّ إردوغان بدأ مسيرة تقارب مع سوريا بوساطة روسية ومن ثمّ إيرانية، والمسار ما زال منطلقا، وهو ما تعوّل عليه دمشق في أن يُنهي الاحتلال التركي لجزء كبير من أراضيها.

الثاني: أنّ تركيا ممثلة بشخص الرئيس إردوغان، تحارب قيام كانتون كردي في شمالِ شرق سوريا، وهو أي إردوغان يعتبر بأنّ ما يجري في شمالِ شرق سوريا، إنما هو تمهيد أو بداية ليس لتقسيم سوريا فحسب، وإنما لتقسيم تركيا أيضا! وأنَّ ما يجري في سوريا اليوم قد يجري في تركيا غدا، ومن هنا يجد إردوغان أنَّ من واجبه القومي وأد المشروع في بدايته، على اعتبار أنّ من ينفّذ هذا المشروع هو حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي والميليشيات التابعة له "قسد".

دمشق مع إردوغان

ولذا يرى متابعون للشأن التركي ، أنّ دمشق لم تكن متحمّسة لنجاح المعارضة في هذه الانتخابات لثلاثة أسباب :

الأول : أنّ المعارضة التركية متحالفة مع الغرب ، وفي حال استلامها الحكم فسوف تنفّذ ما يطلب منها هذا الغرب ، من دون التنسيق مع حليفيها روسيا وإيران ، على عكس ما يفعل إردوغان حاليا المنخرط مع موسكو وطهران في "مسار آستانا"، والساعي إلى حلّ مشاكله مع سوريا ، عبر وساطة كل من روسيا وإيران أيضا ، ما أثمر عن أربعة اجتماعات على مستوى الخارجية والدفاع ، كان آخرها اجتماع العاشر من مايو بين وزيري خارجية البلدين.

الثاني : أنّ المعارضة متحالفة انتخابيا مع حزب الشعوب الديمقراطي المتهم بدعم حزب العمال الكردستاني ، وامتداده السوريّ حزب الاتحاد الديمقراطي والمليشيا التابعة له "قسد"، وبالتالي ستكون الظروف مهيّأة للأكراد لإقامة "كانتونهم" المنشود في سوريا ، بغضّ النظر عن حكومة تركيا الجديدة ، وعلى عكس حكومة حزب العدالة والتنمية التي تعلن وقوفها ضد هذا المشروع ، وتدّعي بأنَّ عملياتها العسكرية في سوريا إنما كانت لمنع قيام هذا الكانتون.

الثالث : عودة اللاجئين، حيث إنّ الدولة السورية ليست جاهزة لاستقبال كل اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا، بعد الدمار الذي حل في البلاد، ولا بد أن يكون هناك اتفاق مع دول عربية ومنظمات دولية، لتأمين ما تتطلبه عودتهم من مساكن وطبابة وبنية تحتية، وغير ذلك، وهذا يحتاج لوقت طويل وتعاون دولي وإقليمي.

الليرة التركية

إذًا، يمكن القول إنّ دمشق وجدت نفسها مرتاحة قليلا لفوز إردوغان، على الرغم من أنها ضمنيا كانت تتمنى لو ينتهي حكم الإخوان المسلمين في تركيا إلى الأبد، وهي التي عانت ما عانت من دعم إردوغان للمجموعات الراديكالية الإسلامية، وفي مقدمها داعش والنصرة، وإدخال المقاتلين الأجانب إلى أراضيها، والعمل بكل قوة لإسقاط الدولة السوريّة، ولكن بعد وصول الوضع إلى ما وصل إليه، وتصريح إردوغان أكثر من مرة بأنه على استعداد للقاء الرئيس بشار الأسد لحل المشكلات مع سوريا، أعتقد أنّ دمشق وجدت نفسها مضطرة لقبول أهون الشرين، وعيونها تشخص إلى أصدقائها في موسكو وطهران المحتفين بنجاح إردوغان، حتى أنّ روسيا حليفة سوريا، تعتبر أنّ الانتخابات التركية كانت تنافسا بين المعسكرين المختلفين، حيث وقفت دول عالمية كالصين وروسيا وإيران وبعض الدول العربية خلف إردوغان، بينما وقف الغرب ينتظر فوز المرشح المعارض كمال كليجدار أوغلو الذي أعلن أنه سيُعيد الديمقراطية إلى تركيا وينهي عهد الاستبداد!.

على المقلب الآخر، يرى بعضهم أنّ نجاح إردوغان قد يفاقم مشاكل تركيا، كالانهيار المتواصل لليرة، وبلوغ التضخم أرقاما قياسية، ومواصلة إردوغان قمع الحريات، ولكنّ هذه الأمور بالنسبة لسوريا موضوعات داخلية، وما يهمّ دمشق هو استمرار التفاوض مع إردوغان للتوصل إلى انسحاب تركي من الأراضي السورية، وتفكيك المنظمات الإرهابية، وترحيل المقاتلين الأجانب، والعمل معا لمنع قيام كانتون كردي يترافق مع خروج الاحتلال الأميركي الداعم لقيام هذا "الكانتون" ولو بشكل غير علني، والتوصل لاتفاق أمني يضمن الأمن القومي للطرفين، ويعيد الحياة الاقتصادية إلى ما كانت عليه قبل 2011 فهل سيتحقق كل هذا؟ أم أنّ نجاح إردوغان سيجعله يشعر بنشوة القوة والنصر، وينقلب على كل ما كان قد وعد به قبل الانتخابات؟!

نقلاً عن المشهد

حول الموقع

سام برس