سام برس
في المعرض الشخصي " ترددات مفقودة " للفنانة و الباحثة دلال صماري برواق البالماريوم :

أعمال فنية ضمن البحث عن علاقات تراسل وتواصل فيما بينها وفق نظم محكم للأبعاد التشكيلية والجمالية والرمزية..
" أتسلح بالشغف لأرسم ولا أستسهل العملية الفنية حيث تصيبني الرهبة امام المحمل في كل مرة أرسم فيها وكأنها أول مرة ".

شمس الدين العوني

في هذا الكم الهائل من التبدلات و المتغيرات الحثيثة و التي تحفر في عقول و في الجغرافيا و الأمكنة و العناصر لتقول بالذهول و الدهشة و الحيرة الكبرى بقف الفنان و بما يتمثله من حلم و قيم و ادراك و نروع نحو الجمال و مشتقاته صامدا لا يلوي هلى غير القول بالنشيد و السفر مجالين لاضفاء مسحة من الوجد و الشجن و السحر قبالة أحوال ينهشها الاحباط و يستبد بها القلق حيث لا مجال لغير التفكر و التسلح بذاكرة الأشياء و العناصر و التفاصيل...هكذا هي فكرة الفن منذ قدم و في حيز من شواسعها و عوالمها المتعددة .

في هذا المجال من التعاطي الفني الجمالي يبتكر الفنان ممكنات شعله الانساني حيث الفن حاجة بشرية قديمة للتواصل و التعبير و الافصاح عن الكينونة..و من نداءاتها هذه المواءمة بين الفن كمعطى جمالي و اشتغالاته صلب الواقع و ما يحف به و متغيراته الجمة تماما مثل الشعر و هو يبحث عن مجاريه بل يؤسسها مثل مياه النهر تنحت مساراتها في الصخر..

و الفن هنا حكاية تستعيد الوظائف و تعلي من شؤون المهمل و المتروك لتجعل من الجمال قولا فصلا بين الحالة و الآلة في سياقات تبدلات تقنية تلغي العناصر و تهمل التفاصيل لتلهو فقط بالحديد حيث الكل أمامها مجرد أرقام و مواد لن تصلح في قادم الأحوال و الأزمنة..و وحده الفنان و هنا من يستعيد القيمة و يجددها حيث يعيد النظر و يجدده لتتجدد معه و به الأشياء و في حالت من البهاء المفعم بالجمال يهدينا فنا نبيلا و عميقا يعيد به للعناصر ألقها و يحيي شيئا من ذاكرتها المهملة بل المفقودة..هي لعبة الفن تجاه الفقد و التجدد و الابتكار...

و عكذا فعلت فنانتنا الباحثة دلال الصماري في تعاطيها الجمالي لتاخذنا الى عوالم الفقد و الأثر و سؤال التجدد و الاستعادة وفق رؤيتها الجمالية المشتغلة عليها و فيها لسنوات..و ذلك في فعلها الفنب " ترددات مفقودة " الذي هو معرضها الفنس الشخصي المتواصل برواق يحي للفنون بتونس العاصمة ضمن الفترة من 20 ماي الى 15 جوان 2023 لنسافر معها في عنفوان فكرتها الجمالية الباذخة و التي استغرقت جهدها و بحثها لمدة أكثر من ثلاث سنوات بتقنية الرسم الزيتي والكولاج على الحديد حيث تتركز الفكرة الرئيسية للمعرض حول العلاقة بين الذات وما كابدته داخل عالم متحرك من حولها، تفقد في كثير من الأحيان تردداته فتسعى جاهدة لإعادة التقاطه من جديد في كل مرة حسب نظم جديد للأحداث المتغيرة باستمرار...

الفنانة التشكيلية والباحثة دلال صماري و في هذه التجربة عادت بل ذهبت الى الصحون و اللاقطات الهوائية التي تركها الناس و عبثت بها العوامل المتعددة بعد أن كانت محل الذبذبات و التقاط القنوات و الاتصالات لتعيدها الى وظائفها في شكل مختلف لتعود الى بث الفن و الجمال في شكل يتماهى مع الفن المعاصر و بمضامين جمالية أخرى بعيدا عن عادات القماشة و اللوحات حيث الصحن الهوائي فسحة للتشكيل بتلوينات بها رمزية و تأويلية منها ما يقول بالفن حين يبتكر مجالاته و عناصره خارج ىالمألوف و ما تعارف عليه القوم..تجربة فنية جمالية تصرخ بوجه العولمة و الاستهلاك الفوضوي في هدوء و بخطاب عميق غاية في الابتكار و البهاء ... و عهن هذا الشغل الجمالي و الخصوصية و المعرض برواق البالماريوم تقول دلال "... ترددات مفقودة معرض فني يعرض برواق يحي للفنون بتونس العاصمة من 20 ماي الى 15 جوان 2023 ،دامت مدة الإشتغال عليه أكثر من ثلاث سنوات بتقنية الرسم الزيتي والكولاج على حديد حيث تتركز الفكرة الرئيسية للمعرض حول العلاقة بين الذات وما كابدته داخل عالم متحرك من حولها، تفقد في كثير من الأحيان تردداته فتسعى جاهدة لإعادة التقاطه من جديد في كل مرة حسب نظم جديد للأحداث المتغيرة باستمرار، ذات تأزم الوضع من حولها بحكم ثورة جلبت معها صراعات الفرقاء وافرزت أزمات اقتصادية واجتماعية ونفسية جعلت هذه الذات تدور في فلك دائري يلف حول نفسه حبالا لا تنبئ بخلاص مرتقب وهذا ما نتج عنه الكثير من ردود الأفعال التي جاءت بمثابة هجرة شرعية وأخرى غير شرعية، انتحار، مظاهرات وتجمعات، عنف وانقسامات حسابات ومصالح والكثير من المغالطات الإعلامية والاشاعات وهذا ما اجج بداخل الفنان شغف التعبير والالتزام تجاه فترة زمنية عايشها ولا يمكن ان يكون محايدا او غير متفاعل معها خاصة بعد ان اخذ المسافة الزمنية اللازمة لتفادي الانزلاق في متاهة التسرع واستسهال العملية الفنية .

لم يكن اختيار المحمل فقط من اجل التغيير او التنويع بل لخدمة خصوصية الموضوع والمفهوم فالصحون الهوائية أدت في فترة ما وظيفة البث وعندما انتهت مدة صلوحيتها رميت في مصب الخردة ومن هنا ستبدأ مهمة البث الجديدة عندما تصبح أداة في يد الفنان سيكتب عليه وحولها نصا بصريا مدججا بالمعاني والرسائل والمضامين التي ضاقت بها الذات خلال هذه العلاقة المسمومة مع وقعها المتلون والغير ثابت، ستمسك الذات الفاعلة "الفنان" هنا بذبذبات بث ثابتة لتعيد ارسالها عبر أقمار ملونة لتخاطب ذهن المتلقي من خلال عملية تراسل ثنائية تخلص الذات من عزلتها المفروضة نحو عوالم الخيال واللغة الجمالية التي تفتح دائما للذهن مساحات جديدة لمواجهات اعمق واكثر قرب من جوهرها.حيث يدخل الفنان معترك تطويع هذا المحمل المعدني بكثير من البحث والتجريب والمكابدة حيث سبقت عملية الرسم والابداع عليه عملية التقاط وتنظيف وتجهيز،من ثم التخطيط لمجموعة متكونة من 15 عمل تمحورت فكرتها حول خلق علاقات تراسل وتواصل فيما بينها بحيث يسحب القارئ من عمل لأخر وفق نظم محكم للأبعاد التشكيلية والجمالية والرمزية، كما وفق فلسفة ومرجعيات فكرية تطرح بأسلوب معاصر يخرج الأثر الفني من نمطية الأساليب الكلاسيكية ويجعله قادرا حتى على التفاعل مع مرور الزمن بمثابة كائن حي لا يبقى جامدا تجاه ما يحيط به لتبدا من جديد عملية التأثر والتأثير التي تجعل منه أثرا ملتزما وقادرا على مخاطبة المتلقي في كل مرة بتمظهرات جديدة.
و دلال صماري أستاذة مساعدة بالتعليم العالي، فنانة تشكيلية وناقدة، أصيلة ولاية سيدي بوزيد وتحديدا منطقة منزل بوزيان متحصلة على شهادة الدكتوراه في علوم وتقنيات الفنون من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس و قامت بتدريس الفنون بعدد من المعاهد العليا للفنون والحرف بسليانة و قابس و تطاوين وأشرفت على تنظيم العديد من التظاهرات العلمية والفنية،كما كتبت حول الفن العديد من المقالات بالنشريات منها قراءات صادرة بمجلة الأطام السعودية سنة 2012 و قراءات أسبوعية بجريدة الوطن العمانية طيلة الفترة الممتدة بين 2013 و2018 و قراءات في مجلة التكوين العمانية منذ2016الى جانب العديد من المداخلات العلمية حول الفنون داخل تونس وخارجها.و لها معارض فردية وجماعية ومشاركات محلية بمختلف جهات الجمهورية كعضوة في جمعية أنير للفنون التشكيلية و جمعية فنون الواحة و ثقافاتها و معرض فردي "كفن" برواق الفنون بجربة و مع اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين و ايضا جمعية رقش للثقافة والفنون والتصميم و عن المعارض و المشاركات دولية نذكر المشاركة في أتلييه الأصمغ الدولي في دورته 15 بالدوحة (قطر) خلال الفترة الممتدة من 8 الى 12 مارس 2015 و المشاركة في الصالون الدولي للفنون التشكيلية بولاية سطيف، الجمهورية الجزائرية الشعبية 2015 و المشاركة في ملتقى بوزنيقة (المغرب) من 13 الى17 ماي 2015 من تنظيم محترف و قاليري 86 و المشاركة في مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية بدولة الإمارات العربية المتحدة الدورة 18 سنة 2015 و المشاركة في ملتقى متحف بيت الغشام الدولي للفنون بسلطنة عمان 2016 و بصالون الفنون الراهنة بمسقط 2016 و بمعرض " لقاء "و نظمته السفارة التونسية بسلطنة عمان خلال ديسمبر2016 بقاعة عرض المركز الثقافي العماني و بملتقى دير جبل الطير الدولي للفنون الذي نظمته جامعة المنيا بمصر من خلال كلية الفنون الجميلة 2018...

تجربة و معرض حديد بعنوان " ترددات مفقودة " و عمل و نشاط تشكيلي ضمن بحث مفتوح و متواصل للفنانة و الباحثة الدكتورة دلال صماري حيث فضاءات رواق الفنون بالبالماريوم تتحلى بجملة أعمال فنية تطرح رؤاها و أسئلة فنها و جماتلها و كذلك أسلوبها في نهج متخير و مشتغل عليه بعناية و دأب ... يتواصل المعرض الى غاية يوم 15 من شهر جوان 2023.


حول الموقع

سام برس