سام برس
عن تجربة الفنان التشكيلي و الباحث غازي حسني :
شغف لا متناه بالفن و أشكاله المتعددة ومنها لعبة الرسم خلف الزجاج" peinture sous verre" ..
اعجاب بالراحلين الخياشي و الخضراوي أنشطة علمية و معارض و تربصات بين ألمانيا و فرنسا ..
الزجاج حامل هش و هذه خاصية الانسان الشفاف و الصافي يعطيك حقيقته تماما كالزجاج حتى لو أنك جرحته أو هشمته..

شمس الدين العوني

يمضي الكائن في دروب الفن الشتى بكثير من رغبات القلب و الدواخل حيث الحلم الجامح و القول بالنظر تجاه العوالم و الأشياء المحيلة الى الأنا ..هذه الأنا التي تتجاذبها أصوات الجهات حيث الانسان في نزوعه نحو البهاء و السمو و العلو مثل فراشات من ذهب الأزمنة...

هي فكرة الفن التي تعلي من شؤون الشواسع و شجونها لرؤية التفاصيل بعين القلب في أحوال من الجمال و الكنه المولد للمعاني ..المعاني في جواهر تمثلاتها نشدانا للأرجاء في بهجتها العارمة و هي تأخذ الفن مآخذ جد تشوفا لعالم جميل من عناوينه السحر و فتنة العناصر و عمق الأفكار و المعاني و ما به تسعد الذوات في حلها و ترحالها...

و الفن هو ما ينشده الطفل في غفوته من الأحلام و من هنا كان أن استعاد الفنان ألق صلته الاولى بالفن و منه الرسم و التلوين لتسافر معه أشجان طفولته الى أيامه هذه و هو يستذكر خطاه الأولى الملونة بنشيد الفن حيث الذهاب الى النوادي لاقتناص أبجديات الرسم و التلوين ليعود الآن و هو من هو الفنان و الباحث يستمتع بالذكرى في فضاءات هذه النوادي المفقودة قولا بالحب الأول و بالشغف المبين ...

هكذا كانت بدايات الفنان التشكيلي و الباحث غازي حسني و هو يسرد شيئا من ألق الذكرى و الابداع و الامتاع قائلا عن حكاياته الباذخة مع الرسم و الفن عامة "...كانت بداياتي ضمن عدد من نوادي الأطفال في سوسة ..حضرموت حاضنة طفولتي ..كانت تجربة رائعة في نواد الأطفال بدور الشباب حيث تعلمت الرسم ثم كانت مرحلة الثانوية يالمعهد لتتعمق عندي لعبة الرسم و منه الرسم خلف الزجاج" peinture sous verre" .
و من حسن الأقدار أن بعثت لي احدى الصديقات من هولندا اليوم عملا كنت قد رسمته عندما كان عمري 17 سنة وبالتحديد سنة 1989, تعرفت عليها واهديتها هذه اللوحة واحتفظت بها كل هاته السنوات (34 سنة)...هذا من جمال الصدف في لعبة الفن الرائقة ...لقد كان ولعي بالرسم و انبهاري بشغلته الفاتنة مع حبي للمدينة العتيقة بسوسة حيث السائح يشتري لوحات هي من قبيل فن الرسم على خلفية الزجاج ..كان لهذا الفن رواج و فنانون مميزون منهم الخضراوي و الرقيق رحمهما الله .

بعد هذه المرحلة سافرت الى أوروبا و كان معي غرامي بالرسم منه الزيتي و الأكوارال فضلا عن التلوين على الزجاج ..و حين ذهبت الى ألمانيا كان لي تربص في المجالات المذكورة ليكون لي معرض مشترك مع الشباب من الفنانين هناك سنة 1998 و علموا بأني أرسم على الزجاج و سالوني عن الخياشي و الخضراوي و سعدت بذلك و عدت الى تونس لأواصل تعليمي الجامعي بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة ضمن اختصاص الخزف نظرا لغياب اختصاص الرسم خلف الزجاج الذي بقي بوجداني حيث كانت لي عدة معارض في الرسم الزيتي و بالأكريليك ...و في سنة 2018 عدت للرسم والبلور و كان لي معرض شخصي بباريس سنة 2018 و بعده المعرض الشخصي بسوسة سنة 2019 في فضاءات المركز الثقافي بسوسة.و خلال سنة 2022 قمت بعدد من المعارض جماعيا منها المعرض المشترك مع الفنانتنين التشكيلينين نعيمة قيزاني الفنانة المقيمة بباريس و كذلك الفنانة لبنى بوقلة فضلا عن المشاركة في معرض اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين و اقتنت لي لجنة الشراءات من معرض هذا العام بالمهدية ..أنا اشتغلت على المضمون و ما هو تجريدي بالنسبة للرسم خلف الزجاج و تعاملي مع هذا النوع الفني فيه جانب صوفي في ما يتصل بالمشهدية و المرئي و ما هو شفاف و لأجل عمق أكثر .

هذا النوع الفني بالنسبة لي يكسر القاعدة في التعامل مع تقنية الرسم المألوفة و ذلك لعنصر الخصوصية و هناك اكراهات لهذه التقنية التي فيها تمازج المادة لايجاد الأشكال المحبذة تماما.فالزجاج حامل هش و هذه خاصية الانسان أيضا فالانسان الشفاف و الصافي يعطيك حقيقته تماما كما الزجاج حتى لو أنك جرحته أو هشمته و في هذا المجال من التعاطي لمسات و نكهة من الصوفية فالأمر ليس بالاعتباطي في هذا التعاطي و أرى من ثمة أن الانسان يجب أن يحافظ على صفائه و صورته اللامتبدلة ..و بالنسبة لمساري الأكاديمي فهو مهم جدا و كذلك للفنان عامة لأن ما هو نظري و ما هو تطبيقي خطان متوازيان لفتح آفاق خاصة في الفن و التعامل مع الخامات و المواضيع و التقنيات...

و هكذا و هذا بالخصوص في الفن المعاصر الذي ينبني على الفكرة ضمن تعدد القراءات فالمادة صارت جوهر الموضوع بل الموضوع عينه ..اعتبر أن الفنان الذي يمارس الرسم و الفن عموما و ليس له جانب نظري يستطيع تقديم عمل و لكن لا يقدر على الحديث عنه و تبريره جماليا و فنيا فلا بد من التشبع بنظريات و تاريخ الفن و هذه مزايا التعليم الاكاديمي و هو ما حصل معي تماما..." و عن الفن و ما يمثله للفنان غازي فانه يواصل قائلا "...الفن و الرسم و التلوين مجالات مهمة في حياتي و كونت لي نظرة مغايرة و مختلفة للأشياء و خاصة عند الحديث عن الفن التجريدي ليصبح الغوص في الاشياء جوهر العمل الفني ذهنيا و فكريا و جماليا لفك شفرات العناصر و الأشياء بعيدا عن السطحية في التناول و التعاطي...أنا في حياتي الفنية هذه أحلم و ككل ممارس للفن التشكيلي بأن تكون أعمالي في عديد البلدان و في المعارض الكبرى و لجمهور متنوع و واسع الثقافة و التلقي و اللقاء بالنقاد المبار لاكتساب خبرات أخرى و تجارب و أنا أعتبر نفسي بصدد التعلم و أسعد بالنقد و أتعلم حتى من طلبتي و أهتم كثيرا بالملاحظات المتعلقة بأعمالي...".

الفنان و الباحث غازي حسني يدرس بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة و هو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين و كانت له مشاركات متعددة في الندوات و التظاهرات المتصلة بالفنون الجميلة و ذلك فضلا عن مشاركاته في المعارض منها معارضه الشخصية و كذلك المعارض الجماعية على غرار الورشات الوطنية للتشكيليين الشبان و الورشات الدولية و و رشات "تاريخ تونس 3000 سنة" و ورشات مائة شخصية مؤثرة في تاريخ تونس الى جانب المعارض بفرنسا و ألمانيا...

هذا حيز من رحلة فنان أخذته طفولة قديمة متجددة الى عوالم الفن و منها الرسم خلف الزجاج مما جعل شغفه يتنامى ليمضي في دربه هذا متسائلا و باحثا و مبدعا حيث الفن عنده ذاك التجوال المفتوح على العناصر و الأشياء و التفاصيل بكثير من حميمية التعاطي و نبل الفن و جماله الأخاذ.

حول الموقع

سام برس