سام برس
" القلق " كمشغل جمالي ..و باعث على الاضافة و الابداع عنوان يوم ثقافي بالرواق في مدينة سوسة الجوهرة :
بانوراما فنية جمالية و أدبية بعنوان "قلق"Anxiety ..و حوار شعري حول "قلـــق حامــــــــض"للشاعر جلال باباي..
كان اللقاء جامعا بين الفنون و مجالا للحوار الفني و الابداعي تناغما مع المستجد في الساحة الثقافة من خلال التعاطي بحرفية و جدية مع ما به يكون النقاش عميقا و مجديا ضمن شؤون و شجون الابداع الفني و الثقافي..
شمس الدين العوني
خلال يوم السبت 04 من شهر نوفمبر الجاري و بحضور عدد من المبدعين و المحبين للفنون الجميلة و الشعر و رواد الفضاء الثقافي " الرواق " بسوسة –جوهرة كان اللقاء المميز و الذي هو بمثابة الصالون و على مدى ساعات وفق برنامج بين المعرض الفني و اللقاء الشعري و النقدي فضلا عن تبادل الآراء و الأفكار بين عدد من الفنانين التشكيليين الذي ضم أعمالهم الفنية هذا الرواق الثقافي الفني...

و قد برز فضاء المعارض و الفنون "الرواق " بسوسة منذ افتتاحه بنوعية المعارض و الأنشطة وفق جوانب من التنشيط الثقافي الابداعي و بالانفتاح على الابداعات الأخرى كالموسيقى و الأدب و الشعر بوجه خاص حيث يعمل باعثه الفنان محمد أكرم خوجة على جودة و نوعية الأنشطة و ابراز الفن التشكيلي عبر تسويق التجارب و التبادل مع الفضاءات المشابهة بدول عربية و غيرها من العالم و قد لقيت هذه الأنشطة اقبالا من الفنانين و المبدعين على غرار الرواق الأول وهو رواق علي خوجة للفنون بالمهدية بما ضمه من معارض و أنشطة و ورشات و تنظيم فعاليات فنية بالتعاون خاصة مع اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين و مهرجان عيد البحر و الفنانين التشكيليين من مصر...في هذه السياقات و برامجها المتواصلة تم ضمن صالون الرواق بسوسة بادارة الفنانة التشكيلية و الباحثة تقوى مناد و باشراف و اعداد من قبل الفنان محمد أكرم خوجة معرض فني تشكيلي لعدد من الفنانين الى جانب لقاء شعري عبر تقديم ديوان الشاعر جلال باباي " قلق حامض " و ذلك وفق عنوان هو "قلق"Anxiety و هي مناسبة لتنشيط الحياة الثقافية ضمن التقاء الابداعات و الفنون ...و بخصوص ديوان " قلق حامض يقول الناقد الدكتور رياض خليف "..

فخطاب الإهداء ليس خطابا اعتباطيّا ولا هامشيّا رغم قصره واختزاله، وقد يرد إهداء عام يتعلّق بكلّ الكتاب أو يرتبط ببعض النّصوص. وهو في كلّ الحالات جزء من خطاب واصف استباقي.. ولعل المتأمّل في تجربة جلال باباي ومجموعاته المتلاحقة، يلاحظ أن هذه العتبة تكاد تصبح سنّة من سننه الشّعرية. فهو يحرص على إهداء القصائد إلى إنسان محدّد ودقيق، تربطه به وبنصوصه وشائج مختلفة...".و من مناخات الديوان هذا النص ( ما أكثر الظمأ ..ينهمر واقفا في دمي..ما أمرّ شفتي عمياء فوق مراتيج من صخب..بدّدتني عاريا كثرة الخسارات..)
صالون الرواق بسوسة و موعد متجدد مع الابداع و الامتاع و القلق المولد للبهاءو ذلك يوم 04 نوفمبر2023. و تم تقديم مداخلة من قبل الشاعر و الاعلامي شمس الدين العوني عن الديوان شفعت بنقاش حول المسائل المتصلة بالعنوان..و كانت المداخلة كالتالي "... مرح شعري بين الأشياء و تفاصيل الحياة بالحنين وبالذكرى حيث الطفل الكامن بوجه الحيرة و الضجيج...و القلق..
الشعر هذا الآخذ بناصية الأشياء و العناصر و التفاصيل حيث الذات ( في حلها و ترحالها ) تلك الاقامة التامة بنبضها تشوفا و نشدانا و حلما ...و قلقا تجاه الآخر..العالم ..هذا القلق المولد بما يحدثه و ينتجه من تجارب و نصوص و ابداع اذا رمنا الخوض في هذا الجانب المتصل خاصة بحالات القلق قبل و أثناء و بعد الكتابة الشعرية بالنظر لطبيعتها المتصلة بالمبتكر و المختلف و الجديد و هو الأمر المتطلب لعدم الطمأنينة و البحث الدائم و الاجهاد..انها لعبة الكتابة الشعرية في تجليات عناصرها و لحظاتها بل أزمنتها باعتبار معايشات الشاعر الممتدة و المفتوحة و التي منها تنطلق الخلاصات الباعثة على الكتابة و حتى التفكير فيها و ملابسات كل ذلك ..

و هكذا..يقول سيجموند فرويد " لست في حاجة إلى تقديم القلق لكم، فكل منا قد ابتلي بهذا الشعور، والحق أقول لكم إنه حالة وجدانية نشعر بها بأنفسنا وتعاودنا مرة تلو الأخرى "...لقد تعددت الرؤى و الأفكار بشأن القلق تعاطيا و بحثا وفق الأبعاد العلمية و الطبية و النفسية و السوسيولوجية باعتبار التعقيدات المتصلة و بخصوص القلق قي صلته بالشعر فقد رأى الباحثون و النقاد في دراساتهم لنماذج من هذا الشعر أن القلق عادة ما يمثل المحرك الأبرز للكتابة الشعرية فهو الباعث على الاتيان بالجميل و المبتكر و ما هو خصوصي و بالتالي فان القلق المبثوث في قصائد الشعراء منذ العصور القديمة و منها العهد الجاهلي و الى اليوم هو قلق عضوي في الذات القلقة و في القصيائد الناجمة عن الحالة فالقلق و عدم القرار و الحيرة و ما الى ذلك هي من الطواهر التي برزت و شهدها الشعر العربي قديمه و حديثه و هي نتاج توق و حلم بين الخيالي و الواقعي نشدانا للأجمل و لما هو بديعي ..و هنا نذكر بيت المتنبي الشهير ( على قلق كأن الريح تحتي أوجهها جنوبا أو شمالا ) انه يعيش قلقه يمتطيه يجعل له رياحا لا قرار لها ... و الشابي الذي ذهبت به حيرته و قلقه الى آفاق من الشعورالقاتم ليجعل من وجدانه و غربته حالة شعرية مخصوصة من عناوينها الأسى و يبرز ذلك في شعره و في مذكراته حيث يقول “أشعر الآن أنني غريب في هذا الوجود، وأنني ما أزداد يوما في هذا العالم إلا و أزداد غربة بين أبناء الحياة و شعورا بمعاني هذه الغربة الأليمة” ..انه الألم القادم من قلق الشاعر لفرط حساسيته ..و هذا القلق نجده عند بدر شاكر السياب الذي يعيش حيرة و غربة الواقع و المنشود و الحلم و المثال ..هذا هو القلق الذي تخيره الشاعر الذي نحن بصدد ديوانه الشعري بل جعل منه قلقا مخصوصا عايشه و مضى به الى حالات من الكتابة لديه مشيرا الى حموضته فهو ليس بالقلق العادي و المألوف انه " قلق حامض " و هو العنوان..عنوان هذه المجموعة الشعرية للشاعر جلال باباي التي تنوعت مناخات قصائدها بين اليومي و الحنين و ذاكرة الأشياء و التفاصيل فضلا عن حميمية التعاطي تجاه الأصدقاء لتتعدد الاهداءات و هو ما يحيل الى رؤية الشاعر بشأن الكتابة باعتبارها حاضنة شجن بحميمة فارقة و من ذلك ما يرد في قصيدة " بعيد مطر البارحة " ص21 : '
على سطح بيتنا العتيق /صمت يراودنا /و مشهد أترتحنا و أفراحنا يلملم باقيات الذاكرة
ألمح الصديق يقتات من وقفته على طلل لذيذ/عنب الدالية...سفرا بلا بوابات
و فتات قصائدي المجلجلة/حل الخريف بغتة/و انتبذ الرفيق/مساءه اليتيم خرائط خلجاته
و صدى الخطاطيف في الأروقة/يقتفي وجهه في الغمام...".
ثمة شجن في القصائد يفصح عنه الشاعر عبر تعدد الاهداءات في هذه المجموعة لشخصيات ثقافية و أسماء و شعراء و أصدقاء و ما الى ذلك من مكونات المحيط الثقافي للشاعر الذي يرى في القصائد حالات وجد يغذيها القلق المقيم في الذات الشاعرة و في النصوص و من ذلك نقرأ مما يرد في قصيدة " قلق حامض...و مواسم غائرة بالسحب " ص71 :
ما أكثر الظمأ /ينهمر واقفا في دمي /ما أمر شفتي عمياء فوق مراتيج من صخب
بددتني عاريا كثرة الخسارات و رأيت الأم ثكلى في الطريق/تحت مطر هشة ترثي كبدها
لذت من فقر الصباح /بفجر يشتعل بالشهب /أتوكأ بحبوب منع الأرق و الاحتراق
و خطوط صوتي الى هبوط/تلك حماقاتي المتشنجة شردتني زهاء حبل غسيل..."
مجموعة " قلق حامض " كون قصائد متعددة يجمع بينها وجدان الشاعر القلق المتقلب و المسكون بجميمية العناصر و الأشياء كل ذلك في بوح شعري تقول عنه الشاعرة أمال موسى في تقديمها لهذا الديوان في نص بعنوان " شعرية القلق الحامض " و لعل هذا البوح و القدرة على تعرية الوجدان بصور شعرية بسيطة غير متمنعة هو نتاج تراكم تجربة جلال باباي الشعرية و تقدمها النوعي حفرا في مكاشفات جديدة و راهنة تتفاعل مع الحاضر وحها لوجه فينحت الشاعر معناه الخاص و معه السياق المنتج لقلقه و المحدد لطعم هذا القلق...".
في قصيدة " تستند الى البحر ضاحكة...أو ..فوق تفاحة قلبي الجريح " ص 25 يقول الشاعر :
" مثل كمان الليل تغرد فتنتي/خارج سرب النائمين/تلقي بفوضاها اللذيذة على مياه متحركة
و تنبس في آذاننا.../سأتنحى بلا ضوضاء/من سماء ناعمة بالماء...".

هكذا هي هذه المجموعة فسحة للشاعر مع الشعر بقصائد طافحة بما يشبهه من قلق حيث اللغة تدعو عباراتها قي كثير من الانتباه و الانكسار و الحلم أيضا ففي طيات قلق الشاعر أمل هو عين القصيدة و ترجمانها..
" قلق حامض " قصائد يمرح فيها الشاعر بين الأشياء و تفاصيل الحياة متأنقا بالحنين و بالذكرى يعلي من شأن الطفل الكامن فيه بوجه الحيرة و الضجيج...و القلق.

هكذا كان هذا اللقاء جامعا بين الفنون و مجالا للحوار الفني و الابداعي تناغما مع المستجد في الساحة الثقافة التونسية من خلال التعاطي بحرفية و جدية مع ما به يكون النقاش عميقا و مجديا ضمن شؤون و شجون الابداع الفني و الثقافي عموما.

حول الموقع

سام برس