بقلم/ احمد الشاوش
يبدو ان الشتاء هذه السنة قارس وان تلطف بالسُحب، والمثل اليمني يقول "الدفي نص العلافة" ، والعلافة ضرورة لمقاومة الرياح والبرد والصقيع والحمى، والرعشة والزكام التي لا يمكن أن تزول بالنسبة للموظف الكادح والشريف الا بأنصافه وصرف مرتباااااته وحقوووووقه وفقاً للدستورية والقانون والشرع.
فالوفاء بحقوق الموظف الغلبان والاهتمام بالطبقة التي سحقتها مراكز القوى العابثة ، سيمكن الجميع من مقاومة شلل الاعفاط وشيطنة جن الجن والظهور امام الدائنين من أصحاب البقالات والدكاكين والمحلات التجارية بثقة وأريحية للوفاء بالديون وشراء المستلزمات بدلاً من الهروب من زقاق الى آخر ومن زغط الى زغط والتخفي بين الاحياء والشوارع هروباً من غلبة الدين وقهر الرجال.
كما أن أستشعار المسؤولية والالتزام بصرف مرتبات موظفي الدولة بصورة شهرية يولد الاحترام والسمعة الطيبة للدولة والحكومة ، ومن شأن ذلك اعادة الثقة والسعادة والامن والاستقرار المعيشي .
كما ان الوفاء بتلك الحقوق يقوي المناعة ويمكن الجميع من مقاومة الفقر والجوع والتقلبات المناخية التي تحول الموظف الكادح الى هزاز من شدة البرد والفقر المدقع وملاحقة الكدم المكبدة ووضع حد للروتي المنفوخ بالخميرة ومرقة مااااجي بعد ان تم افقاره مع سبق الاصرار والترصد وسلب حقوقه وتحويله الى هيكل عظمي بينما أولياء الله في الشمال والجنوب والشرق والغرب بطروا من الموائد والولائم والعزائم والسُفر المفروشة باللحوم والاسماك والعسلان والمشهيات والمقبلات والمتبلات ، والعملات الصعبة.
عجبي كيف يأكل الرئيس والحكومة واعضاء مجلس النواب والشورى والمشرفين والعاملين في الزكاة والاوقاف والجمارك والضرائب والاتصالات في صنعاء وعدن وفنادق الرياض ، مالذ وطاب ، بينما الموظف الحكومي واسرته واولاده يعانون من الهزال ويأنون من المجاعة والامراض السبعة ، رغم المليارات التي يتم تحصيلها وجبايتها من ميناء الحديدة والجمارك والضرائب والزكاة والاتصالات والانترنت والاوقاف والكهرباء والمياه وغيرها من الجبايات والاتاوات والمعونات الخارجية والمشفرة،،!
واذا كان المثل اليمني يقول "يَنَزَل البرد بقدر الدفا "، فذلك صحيح كون الله سبحانه وتعالى رحيم بعبادة وقدر رزق كل انسان لكن يبدو أن الحكومة ومَن خلف الستار هناك وهناك من يمارس الظلم بقطع ارزاق الناس محولاً قطاع كبير من المجتمع الى عالة يتسول الذي يسوى والذي لا يسوى ، محولاً الحياة الى جحيم .
واذاكان البرد القارس يدخل الى كل بيت ومسكن ودكان ، ويدقدق المفاصل ويخترق العظام ويقطقط العمود الفقري وينعث الجسم ويخرج الغُش ويكشف اوجاع والآم الظهر في أول مهاجمة للموظف الحكومي الذي أصبح مثل فقير اليهود لادنيا ولا آخرة في ظل المواعيد العرقوبية للحكومة التي احلت لها كل مالذ وطاب حتى بطانيات مورا الاسبانية التي تخلي المسؤول يعرق من كل شعرة، وحَرَمَة كل تلك النعم على الموظف والطبيب والاكاديمي والمدرس والعسكري الغلبان الذي ينتظر نصف الراتب كل رابع شهر فذلك قمة الظلم والطغيان !!؟.
تسع سنوات عجاف والموظف الغلبان الذي قُطعت ونُهبت مرتباته وصودرت حقوقه صابر ورابط على بطنه ، سرعان ما تنكروا لخدماته دون أي وازع ديني او اخلاقي ، ورغم ذلك يشتغل بالمجان وبأتفه الاجور ، ما جعل الموظف يفقد توازنه وتفكيره واستهلاك قواه وتآكل بدنه وجسمه وصار مغلوب على امره يحاكي نفسه مثل المجنون من الصدمة وهول الكارثة وحالة البؤس وطلبات الزوجة والاولاد الطبيعية مابالك بالامراض المزمنة وقيمة العلاجات القاتلة!.
والحقيقة التي لاجدال فيها ان الحياة أصبحت مُرة في ظل حكام اليمن الجديد ، فلا يُعقل أن يُجرد شعب من مرتباته وتنهار بيوت واسر ويتشرد اطفال وفتيات بسبب سياسة الافقار والتجويع وحالات البؤس والبطالة والغياب الكبير للدولة ومؤسساتها ومسؤوليها والرؤية الوطنية الفاشلة ، وماتبقى من حكماءها الذين يقدمون الكثير من النصائح والحلول الناجعة ، بينما شياطين الانس والجن ومعاول الفساد ، تردد مقولة "اذن من طين واذن من عجين".
الكل يصيح ..الكل يصرخ.. الكل يهمس .. البيوت تأن ..الشوارع والاسواق تعكس حالة الكساد .. الناس تسخط ..الانتقادات في كل مكان حتى مجالس الافراح والاحزان .. همز .. لمز .. حتى معشر التجار يشكون من حالة البوار والركود الاقتصادي وضعف القدرة الشرائية وشيطنة المتنفذين الذي لا اعجبهم العجب ولا الصيام في رجب.
الفواكة بجميع انواعها من عنب وتفاح وبرتقال ويوسفي وكيوي وحبحب وبطيخ ورمان تغرق الاسواق ، ورغم حلاوتها ولذتها ورخصها الا ان المواطن المظلوم يعيش الحسرة ويكتفي بالنظرة لانه لا يستطيع ان يشتريها في ظل انقطاع رواتبه والبطالة وقطع الارزاق والاعناق ، ومن الطريف ان تسمع تعليقاً يقول متع نظرك مجاناً قبل ان يصدر قانون بدفع مقابل نظرة تفاحة او ثمرة طيبة!؟.
يرى المواطن الخضروات بجميع أنواعها في الاسواق اليمنية من بطاط وطماط وكوسه وباميا وبصل معروضة بشكل مُغري في البسطات والبقالات والمحلات ، لكن البعض يردد المثل المصري " العين بصيرة واليد قصيرة" ، لذلك يكتفي المواطن بشراء الشيء الزهيد جداً للبقاء على قيد الحياة في ظل تجفيف الحقوق وتجميد المستحقات وغياب الرحمة
اليوم يعاني المواطن الشريف الخوف من الفقر والجوع.. خوف من الحاضر والمستقبل ، وخوف من الله حتى لا يرتكب معصية من أجل ان يصرف على أولاده من المال الحرام ، وخوف من الاعداء ، وخوف من المنافقين والانتهازين ، وخوف من السلطة والسجون وتلفيق التهم وخطورة اللصوص وقطاع الطرق ومثيري الفتن .. خوف من الازمات والحروب والكوارث السياسية ، فالخوف حالة طبيعية ولكن الغير الطبيعي هو صناعة وترويج الخوف.
واقع الحال أن المواطن اليوم كلما ألتفت يمين أو شمال وجد الكثير من المتسولين ..أطفال في عمر الزهو.. فتيات.. شباب.. شيوخ .. موظفين.. انه الجووووع القاتل والفقر المدقع ياسادة يااااااكرام ، فخلف كل باب وبيت وشقة ودكان وشارع وخرابة جائع بسبب غياب العدالة والظلم.
تدخل سوبر ماركت تجد على الابواب العشرات كل منهم بحاجة الى مد يد العون .. تشتري من مخبز روتي اوكدم تجد الفقراء بجانبك يستجدون الناس مائة ريال أو حبه روتي أو قطعة خبز .. تفكر بالدخول الى بوفيه أو مطعم تجد عشرات العيون الزائغة التي تنظر الى كأس الشاي كالليزر أو الطعام المتواضع بالشفقة والذل فتصاب بالالم والاحباط.
سمعنا عن الامام علي كرم الله وجهة في الجنة انه قال " عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه.. وكان مع الاسف الشديد مجرد شعار للوصول الى السلطة ، بينما اليوم أصبح هذا الكلام من سابع المحرمات .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم ..ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به ، واليوم كم من الجيران يموت جوعاً ومرضاً ويغادر الى الرفيق الاعلى دون علم جاره إلا من خلال ارتفاع صوت المسجل للقرآن أو ميكرفون الجامع!.
شاهدنا بعيوننا بعد صلاة الفجر كيف تخرج الكثير من النساء الطاعنات في السن والفتيات والرجال والاطفال الى براميل القمامة للبحث عن المواد البلاستيكية وتجميعها من بين القاذورات والامراض ومن شارع الى آخر بين البرد القارس ونباح الكلاب وبيع ماجمعن بخمس مائة ريال أو ألف ريال في ظل غياب ولي الامر.. رأينا الفقر يدخل الى كل بيت والجوع يدق كل بطن .. والمرض يصيب كل انسان وسؤ التغذية يصيب كل طفل وامرأة وشاب وشيخ ورغم ذلك البيوت اسرار.
أخيراً ..المواطن شبع خطابات واجتماعات ومؤتمرات وانتصارات وجعجعة .. الموظف بحاجة الى صرف مرتباته وحقوقه والخريجين الشباب بحاجة الى وظائف وادماجهم في سوق العمل بدلاً من البطالة والتسكع في الشوارع و النوم في البيوت ، فلا الحكومة التزمت بالدستور والقانون ولا هي التي عملت بأخلاقيات الامام علي ابن ابي طالب والحسن والحسين وزين العابدين بن علي وابوكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعمر بن عبدالعزيز ، فالوقع شيء والحقيقة شيء آخر .. أعدلوا هو أقرب للتقوى.