
بقلم/ مصطفى بن خالد
في ظل التدمير الساحق الذي نفّذه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ، وبدعم أمريكي وغربي ، وتواطؤ عربي وتركي مكشوف ، تتفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق.
تستمر الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية عبر القتل الممنهج، والاعتقالات التعسفية، وهدم المنازل، مما يؤكد أن هناك مخططاً دولياً ممنهجاً يهدف إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين.
تتعدد الأدوات التي تُستخدم لتحقيق هذا الهدف، بدءاً من القصف الوحشي، والقتل الجماعي، والتدمير الشامل، مروراً بتشديد الحصار والتجويع، وانتهاءً بفتح باب الهجرة القسرية كخيار وحيد أمام الفلسطينيين المنهكين.
هذا المخطط لم يكن وليد اللحظة، بل هو جزءٌ من استراتيجية طويلة الأمد، تبنّتها إسرائيل بدعم أمريكي وغربي، وتهدف إلى إعادة رسم خارطة فلسطين عبر الطرد المنهجي لسكانها واستبدالهم بالمستوطنين.
ومع الحرب الأخيرة على غزة، باتت ملامح هذا المخطط أكثر وضوحاً من أي وقت مضى.
“صفقة القرن”.. البداية العلنية لمشروع التهجير
عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترة رئاسته السابقة عن “صفقة القرن” عام 2020، لم تكن مجرد رؤية سياسية لحل النزاع، بل كانت إعلاناً رسمياً لخطة تطهير عرقي تهدف إلى تفريغ الضفة الغربية وقطاع غزة من الفلسطينيين وتهجيرهم إلى الدول المجاورة، وعلى رأسها مصر والأردن، واليوم، مع عودة ترامب إلى المشهد السياسي الأمريكي من جديد، يُعاد طرح هذا المخطط الأجرامي بأساليب أكثر وحشية.
الصفقة التي رفضها الفلسطينيون، وترفضها مصر والأردن، تقوم على النقاط التالية:
1- إلغاء حق العودة نهائياً، وقطع الطريق أمام اللاجئين الفلسطينيين للعودة إلى ديارهم.
2- الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإنهاء أي وجود سياسي فلسطيني فيها.
3- ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية لإسرائيل عبر مشاريع الاستيطان الكبرى.
4- إغراء مصر والأردن بمساعدات مالية ضخمة مقابل استيعاب الفلسطينيين المرحّلين من وطنهم بشكل تدريجي.
ورغم انتهاء ولاية ترامب السابقة، إلا أن إسرائيل لم تتخلَّ عن هذا المخطط، بل عمدت إلى تنفيذه بوسائل أكثر عنفاً، كان آخرها العدوان الغاشم على غزة، الذي هدف إلى إجبار الفلسطينيين على خيار وحيد: الهروب أو الموت.
الهجرة القسرية.. كيف بدأ تنفيذ المشروع؟
لم يكن القصف الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة مجرد ردّ عسكري، بل كان جزءاً أساسياً من خطة التهجير القسري. ومع هذا التدمير الشامل، بدأ المسؤولون الإسرائيليون والغربيون يتحدثون علانيةً عن ضرورة “نقل الفلسطينيين إلى دول أخرى”، في خطوة غير مسبوقة من حيث العلنية والصراحة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قالها صراحةً:
“يجب أن نشجع الفلسطينيين على مغادرة غزة.. هناك دول كثيرة مستعدة لاستقبالهم.”
أما وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، فقد دعا إلى “إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى”، واصفاً ذلك بأنه الحل الأمثل لمستقبل المنطقة.
بالتوازي مع ذلك، بدأت بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي، الحديث عن برامج استقبال اللاجئين الفلسطينيين، في محاولة لإضفاء طابع إنساني على مشروع التهجير القسري.
لماذا مصر والأردن تحديداً ؟
يرى المخططون الإسرائيليون أن مصر والأردن هما الحل الأمثل لاحتواء الفلسطينيين، وذلك لعدة أسباب:
• مصر تمتلك مساحات شاسعة في سيناء، ويمكن استخدامها كمخيمات ضخمة لاستيعاب الفلسطينيين المرحّلين من غزة، كما حدث مع اللاجئين السوريين في تركيا.
• الأردن يستضيف بالفعل ملايين اللاجئين الفلسطينيين، مما يسهل توسيع وجودهم دون إثارة الكثير من الجدل.
• الضغط الاقتصادي والسياسي الذي تمارسه الولايات المتحدة قد يدفع مصر والأردن إلى القبول التدريجي بهذا المخطط، خصوصاً في ظل الحاجة إلى الدعم المالي الغربي.
لكن السؤال الأهم هو:
هل تستطيع مصر والأردن الصمود أمام هذا الضغط الهائل؟
كيف يتم تنفيذ التهجير القسري؟
تتم عملية التطهير العرقي الصامت وفق مراحل مدروسة:
1- القصف العنيف والتدمير الشامل: استهداف المنازل، والمدارس، والمستشفيات، والبنية التحتية، مما يجعل الحياة مستحيلة في غزة، ويدفع السكان إلى التفكير في المغادرة.
2- الحصار والتجويع:
منع دخول المساعدات الإنسانية، وقطع الكهرباء والمياه والوقود، مما يخلق بيئة غير قابلة للحياة.
3- فتح باب الهجرة بغطاء إنساني: استخدام برامج اللجوء في الدول الغربية لتحفيز الفلسطينيين على المغادرة طوعاً.
4-الضغط على مصر والأردن لقبول اللاجئين، عبر التهديدات الاقتصادية والإغراءات المالية.
5- تسهيل عمليات الخروج:
فتح معابر رفح والكرامة، ونقل الفلسطينيين إلى الدول المضيفة.
6- تفعيل المطارات الإسرائيلية لتسهيل هجرة الفلسطينيين إلى الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، والغرب عموماً وبعض الدول العربية.
ماذا بعد التهجير؟ الخطر الذي يهدد القضية الفلسطينية
إذا نجح هذا المخطط، فإن النتائج ستكون كارثية:
• إسرائيل ستعلن رسمياً أن الضفة الغربية وغزة “أراضٍ بلا شعب”، مما يسهل ضمّها نهائياً.
• انتهاء فكرة الدولة الفلسطينية بالكامل، حيث لن يكون هناك سكان يطالبون بها.
• ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي كأمر واقع، دون أي مقاومة ديموغرافية فلسطينية.
• إضعاف الدور العربي في القضية، وتحويلها إلى مجرد ملف لاجئين بلا هوية وطنية.
كيف نواجه هذا المخطط؟
على الفلسطينيين والعرب اليوم اتخاذ موقف حازم، يبدأ بـ:
1- رفض أي محاولة للهجرة القسرية، مهما كانت الظروف، فالبقاء على الأرض هو أقوى سلاح في مواجهة الاحتلال.
2- توحيد الجهود السياسية والميدانية بين الفصائل الفلسطينية، بعيداً عن الانقسامات التي تخدم إسرائيل.
3- الدعم بكل الوسائل الممكنة للموقف المصري والأردني الرافض لمشاريع التوطين، للحد من تأثير الضغوط أمريكية أو غربية في هذا السياق.
4- تحفيز الدور الشعبي العربي والإسلامي لمواجهة المؤامرة، ومنع تهجير الفلسطينيين.
5- تصعيد القضية دولياً، وفضح المخطط أمام الرأي العام العالمي عبر الإعلام والمؤسسات الحقوقية.
خاتماً:
لن تمر المؤامرة!
ما يجري اليوم ليس مجرد حرب على غزة، بل هو حرب على الوجود الفلسطيني بالكامل.
إسرائيل تريد تفريغ فلسطين من سكانها تحت غطاء “المساعدات الإنسانية”، لكنها ستفشل كما فشلت في السابق.
فلسطين لا تُباع ولا تُترك، ومن يظن أن الفلسطينيين سيتركون أرضهم فهو واهم.
ستبقى غزة، والضفة، والقدس، وكل فلسطين عصية على الاقتلاع، مهما كان حجم المؤامرة.