بقلم/ احمد الشاوش
يتعرض لبنان اليوم ، للكثير من الزلازل والعواصف والازمات والضغوط والمساومات والانفجارات والمآسي السياسيةوالاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة التي جعلته فريسة للكثير من تجار الحروب وصانعي الازمات ولصوص الثروات على مستوى الداخل والخارج ، تحت ايقاعات المحاصصة وطبول التبعية وسيمفونية الوطنية ونغمات المقاومة.

شاهدنا مساء الثلاثاء بالصوت والصورة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر ، صور مأساوية لانفجار مرعب في مرفأ بيروت ، شبيه بالتفجير النووي لمدينة هيروشيما أو حي عطان ومنطقة نقم بمدينة صنعاء ، مُخلفاً 135 قتيلاً وأكثر من 5000 جريحاً و3000 في العراء ، ناهيك عن تدمير الابراج والمباني والمؤسسات والشركات الشاهقة والمنازل والشقق والمطاعم والمحلات التجارية في خسائر أولية مابين الـ 10 والـ 15 مليار دولار بحسب تصريحات محافظ بيروت .

شاهدنا مأساة انسانية مرعبة أشبه بيوم الحشر الاصغر ، لحظة الانفجار ،التي أمتزجت فيها ألسنة الدخان والغبار والسحب المسمومة وانهيار المباني ودماء الابرياء المسالة وأرتفاع أصوات الاطفال والرجال والصبايا من هول الصدمة التي وثقتها بعض كاميرات الشقق ، وحولت مرفأ بيروت الى اطلال.

هذا الانفجار الرهيب في تصوري هو امتداد طبيعي لنظام المحاصصة الذي خلقها أول دستور مدمر للنسيج الاجتماعي والدولة والمؤسسات اللبنانية بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1943م ، وما ترتب عليه من ثقافة " الانفجار" والتشدد والحقد والمزايدة والافراط في التبعية والاهمال وصراع مراكز القوى العابثة بالوكالة ، المغلف بالروائح العفنة للطائفية والمذهبية والانتهازية التي استغلت الدولة ونهبت الثروة وجرعت الشعب اللبناني الجوع والفقر والخوف وأمتصت دماء وثروات وأموال وسيادة لبنان ، تارة بالسلاح وأخرى من خلال الاستقواء بالاجنبي وثالثة تحت يافطة الدستور الملغم ، وما هذه الكارثة إلا جزء من مسلسل الترويع والتركيع والاذلال.

وأياً كانت عملية الانفجار أو التفجير المأساوية ناتجة عن جريمة منظمة وراءها الموساد الاسرائيلي أو عملية اهمال ، أو الافتقاد الى معايير السلامة او ناتجة عن تحزينها من قبل حزب او جماعة أوقوة ما ، فإن تلك الجريمة البشعة وذلك الحدث المروع لايمكن أن يمر دون المساءلة والتحقيق على مستوى الداخل اللبناني واشراك دول وخبراء دوليين في الوصول الى الحقيقة ، لاسيما وأن الجمارك اللبنانية طلبت من السلطة القضائية عامي 2016 و2017 أن تطلب من "المؤسسات البحرية المعنية" إعادة تصدير أو الموافقة على بيع نترات الأمونيوم، التي نُقلت من سفينة الشحن (روسوس) وأُودعت بالمستودع 12، لضمان سلامة الميناء ، وذكرت إحدى الوثيقتين طلبات مشابهة عامي 2014 و2015 ، إلا انه لم يتم التجاوب مع التخلي عن تلك الاطنان أو نقلها الى مكان آمن مايثير أكثر من علامة تعجب واستفهام؟.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم من المستفيد من تخزين تلك المواد المتفجرة في المستودع رقم 12 بمرفأ بيروت منذ العام 2014م رغم تحذيرات أكبر مسؤل في الجمارك من وقوع الكارثة ، واين دور رئيس الجمهورية ودولة رئيس الوزراء وأجهزت الامن والقضاء اللبناني من المسؤولية التقصيرية.

وهل التقطت اسرائيل فكرة وتصريحات حسن نصر الله بالصوت والصورة ، بإن اسرائيل ربما تتلقى ضربة صاروخية على حاوياتها من نترات الامنيوم وتدمير وجرح آلاف الاسرائيليين ، ثم تحركت أدواتها من خلال تنفيذ عملية محكمة بإحداث ماس كهربائي أو عمل تخريبي منظم في المستودع رقم 9 وامتداده الى مستودع رقم 12 لتفجير 2750 طن من الامونيوم وخلط الاوراق في لبنان.؟

الشعب اللبناني اليوم بحاجة الى منقذ من مراكز القوى العابثة التي أفقرته ونهبت امواله وتاجرت بدمائه وحولت حياته الى جحيم ، وبحاجة الى ثورة تقلع رؤوس الشياطين وتعيد للبنان حريته المسلوبة وأمواله المنهوبة وقراراته المصادرة.

لبنان بحاجة ماسة الى دماء جديدة ودستور وطني بعيد عن المحاصصةوالطائفية والمذهبية ، دستور تتجلى فيه معالم دولة المؤسسات ، وليس دولة المليشيات والاحزاب والجماعات وقطاع الطرق ولصوص الثورة والثروة.

لبنان بحاجة الى تلاحم النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية واحياء قيم التسامح والتعايش والخروج هذه المرة سنة وشيعة ودروز ، مسيحيين ومسلمين الى المدن والشوارع لاسقاط الفاسدين أياً كانوا ومحاسبة اللصوص والعملاء والمرتزقة.

لبنان اليوم بحاجة الى عودته الى الصف العربي بعد ان أصبح غريباً في بيته وبيئته والى دعم ومساندة دول العالم وفي طليعتهم السعودية وقطر والامارات والكويت ومصر وايران وسلطنة عمان والجزائر والمغرب وامريكا واوروبا للمشاركة في إعادة البناء وانعاش الاقتصاد وتسديد ديونة المقدرة بنحو 100 مليار دولار والشروع في تسوية سياسية للخروج من مستنقع المحاصصة والفساد المنظم ، بعيداً عن التجاذبات والمصالح والرهانات السياسية الخاسرة.

اخيراً.. لبنان الجمال والحسن والحضارة الضاربة في اعماق التاريخ الانساني منذ سبعة آلآف سنة ، بمايملكه من التقدم والحداثة والمدنية والتنوع وقيم التسامح والتعايش والحرية والتعددية والديمقراطية والفكر والثقافة والفن ، اما آن لهذا الشعب العظيم ذو الجاذبية العجيبة ان يلتقط انفاسه وان يعيش في امن واستقرار ورخاء .. أملنا كبير.


shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس