بقلم/ احمد الصراف
يعتبر فيليب جوردن سياسيا أميركيا سابقا وخبيرا في القضايا الخارجية، وعمل مساعدًا للرئيس باراك أوباما، ومنسقا للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج من 2013 إلى 2015.

وكان أكبر مسؤول في البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط الكبير، ويستشار في قضايا عدة، منها البرنامج النووي الإيراني، ومفاوضات السلام في المنطقة، والصراع في سوريا، والأمن في العراق، والعلاقات مع دول الخليج، والتحولات الديموقراطية في شمال أفريقيا، والعلاقات الثنائية مع إسرائيل والأردن ومصر والمغرب وتونس ولبنان.

ترأس جوردن العديد من العمليات المشتركة بين الوكالات، وقابل قادة أجانب بانتظام، وأدار فريقًا من حوالي عشرين مديرًا وغيرهم من المتخصصين في الأمن القومي.

جوردن هو مؤلف «خسارة اللعبة الطويلة»، كتابه الجديد المثير للجدل، حيث كشف فيه أن الولايات المتحدة، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، شرعت في إطاحة الحكومات، خاصة في الشرق الأوسط، بمعدل مرة كل عقد.

وكانت أسباب هذه التدخلات وأساليبها شديدة التنوع، بدءًا من الضغط الدبلوماسي والتهديد، وصولا للغزو والاحتلال العسكري. ومع ذلك، ومن وجهة نظر جوردن، فقد فشلت جميعها في تحقيق أهدافها النهائية، وأنتجت مجموعة من العواقب غير المقصودة والكارثية، وحملت أميركا تكاليف مالية وبشرية باهظة، وفي كثير من الحالات تُركت البلدان المعنية في وضع أسوأ مما كانت عليه قبلها.

يُلقي كتاب «خسارة اللعبة الطويلة» نظرة شاملة ومثيرة للاهتمام على تجربة الولايات المتحدة مع تغيير الأنظمة على مدى السبعين عامًا الماضية، من خلال وجهة نظر صانعي السياسة الأميركية في المنطقة، وعلى أعلى المستويات، ساردا قصة التدخلات الأميركية المتكررة في المنطقة، والتي بدأت دائمًا بآمال كبيرة وغالبًا ما تكون محاطة بـ«أفضل النوايا»، لتنتهي بكوارث لم تسعد أي طرف، تقريبا.

ويقول جوردن إن أية مناقشة مستقبلية لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا يمكن أن تكتمل دون مراعاة دروس الماضي، في وقت يشهد فيه وضع أميركا الداخلي استقطابًا شديدًا، مع ما يصاحب ذلك من قلق على وضعها ومكانتها في العالم.

تميز سرد جوردن بالإقناع وبالكيفية التي انحرفت فيها النوايا الحسنة الأميركية بشكل متوقع، وخاصة في دولنا، ويبين، ببصيرة ثاقبة وصريحة، التفكير السحري الذي دفع صانعي السياسة الأميركيين في كثير من الأحيان إلى افتراض الكثير بشأن قوى التحول في الشرق الأوسط، والقليل جدًا بشأن حدود الوكالات الأميركية، مع تقديمه لحجج براغماتية مقنعة لا تتسم بأية غطرسة، ولضرورة قيام الإدارة الأميركية بزيادة الاعتماد على الدبلوماسية في احداث التغييرات بدلا من التورط في التدخلات العسكرية غير المحمودة، مع ضرورة إدراك الإدارة الأميركية أن وجود أنظمة مزعجة لها في المنطقة لا يعني ضرورة القيام بتغييرها، وأن الساسة الأميركيين، وبعد سبعين عاما، لا يعرفون ما يكفي عن الشرق الأوسط، وهنا يتساءل عن عدد المرات التي تحتاج فيها واشنطن إلى الإخفاق قبل أن «تعرف ما يكفي» في النهاية.

وبالرغم من أن كتاب جوردن الشامل تضمن القليل من المعلومات، فإنه اتسم بالصراحة، وبالانتقادات المرة، من تاريخ الانقلاب الذي دبرته وكالة المخابرات المركزية لإطاحة الرئيس مصدق في إيران عام 1953، وغيرها من المحاولات، وصولا لكل الجهود الفاشلة لإطاحة نظام الرئيس بشار الأسد. كتاب جوردن جدير بالقراءة، ويؤكد أن ليس هناك قوى خفية وحكومات سرية تحكم العالم، فأكبر حكومة وأكثرها قوة وبطشا معرضة للإخفاق المريع.

a.alsarraf@alqabas.com.kw

نقلاً عن القبس

حول الموقع

سام برس