بقلم/عبدالرحمن عبدالله الأهنومي
يوما بعد آخر يبرهن الرئيس الفرنسي ماكرون بأنه أكثر الرؤساء الأوروبيين وقاحة وجرأة على الظهور بصورته الحقيقية دون مساحيق تجميل وتوسيم ، فقد تخلى عن أدوات التجميل التي تستخدمها دول أوروبا ، ودون مواربة يعبر بلغة مدججة بسطوة السلاح والهيمنة السياسية عن عدائية مفرطة للإسلام ، وتجن وقح على أعظم الأنبياء والرسل وخاتمهم محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ، ماكرون في إساءاته المتكررة للرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى اله وسلم ، يقول هذه صورتنا الحقيقية ، وهذه هي حضارتنا ، وعلينا أن نكون واضحين!

في الواقع فإنه لا يمكن النظر إلى الإساءات الفرنسية التي يتبناها ماكرون ، لرسول الله الأعظم صلوات ربي عليه وعلى اله وسلم ، وما سبقها من إساءات لا أخلاقية من زاوية واحدة فحسب ، فهي علاوة على أنها تعبير عن زيف العناوين التي تسوقها أوروبا عن نفسها ، وتدعي أنها حامي الحمى ، وحارس حقوق البشر وحرياتهم وحياتهم في كل أصقاع الدنيا ، وأنها صاحبة الريادة والكمال والرقي ، وأنها قارة الفضائل والأخلاق ، ومجتمع المدن الفاضلة ، نجدها أيضا تثبت تبعية القارة الشمطاء بشكل عام للسياسة الأميركية العدائية والشيطانية ، وتبين أن المنظومة السياسة الحاكمة للدول الأوربية ، التي تدعي استقلال سياساتها وريادتها في حماية الحقوق ليست إلا أذيالا سوداء لقادة الإجرام والإرهاب في البيت الأبيض.

ولا يخفى على أحد بأن الحرب الشعواء التي يشنها ماكرون وحزبه اليميني المتطرف على المسلمين في شوارع باريس هذه الأيام تنطلق من أنها انعكاس لمأزومية ماكرون ومن جاء به سواء كانت أحزاب اليمين المتطرف ، أو يسار اليسار أو الوسط ، أو تلك الاحزاب الأصولية ، فكلها تتبنى نظرية الأفضلية للإنسان الأشقر على ما سواه ، ماكرون ذو وجه بشع ومقزز وما يقوم به لا يكشف فقط زيف الادعاءات والعناوين الفارغة بل وتعرية للقيم التي تتشدق بها فرنسا ، وتكشف أن الحرية عناوين كاذبة وصنم كبير من التمور تأكل منها الحكومات الغربية وقتما تشاء وتعبدها حينما تشاء كما يقال ، فيما الحقيقة الثابتة أن المبادئ التي تتباهى بها ليست إلا حشوا من الكلام والعناوين البراقة.

لطالما ررد البائسون والمنهزمون ممن بهرتهم مدن أوروبا وأبنيتها الضخمة والعملاقة ، بما يصفونه الرقي الإنساني ، وضربت الأمثال في سماحة وعدالة وأخلاق الأوروبيين وحسن تعاملهم فيما بينهم ومع غيرهم من الجنسيات الأخرى، فكم خرج علينا دعاة التمدن ليتحفونا بما يدَعون من أن دول أوروبا تتعامل بروح الإسلام رغم أنهم مسيحيين وعلمانيين ، قالوا بأن جميع تعاملاتهم إنما هي تعاملات إسلامية في حقيقتها، في حين أن العرب والمسلمين بعيدين كل البعد عن تلك الأخلاق ومن هذه التعاملات الجميلة والراقية، وأن المسلمين لم ينالوا من الإسلام سوى اسمه، فكم أُتهم المسلمين بأقبح الصفات في تعاملاتهم فيما بينهم ، وهذا الدعاوى تفضحها الهجمة الشرسة التي تشنها فرنسا وبقيادة المأفون ماكرون والاعتقالات والحظر للجمعيات الإسلامية ، والأغلاق للمساجد والذبح المشهود للمحجبات المسلمات والحرب الشعواء على الناشطين ، بالتزامن مع رفع الصور والرسوم الشيطانية التي تسيء إلى نبينا وحبيب قلوبنا ورسولنا الأعظم محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ، فوق المباني والجولات والقصور الحكومية في باريس ، مع تأكيد من ماكرون أن ذلك يأتي في إطار حرية التعبير ـ، وهذا الادعاء ليس سوى تستر على الحقيقة الأهم ، فما يحدث يجسد فكرة كاملة عن (شكل ومرحلة) الديمقراطية والحرية التي يريدونها ، وهي في الواقع انعكاس للأزمة المستفحلة في أوروبا عموما وفرنسا على وجه الخصوص ، التي باتت تعاني إفلاسا سياسيا وأخلاقيا ناتج عن المأزق الحضاري نفسه.

لا تغرنكم الشعارات والعناوين وادعاءات الديمقراطية والحقوق ، وعناوين العدالة البشرية التي يسوقها الغرب المختل عن نفسه ، المظاهر البراقة في “أمستردام، وباريس ، وبرلين، وبراغ، وبرشلونة وفيينا، ، وروما” ، تخفي دموية مفرطة وعنصرية مقيتة وانسلاخ وتجرد وشذوذ وحيوانية مفرطة ، تلك ليست المدن الفاضلة ، بل قصور وأكواخ للبغاء والرذيلة والسكر والسلخ للإنسانية والقيم والذهاب نحو الحيوانية وعالم الملذات والهوى والمجون.

جمال العواصم والمدن في أوروبا لا تعكس الوجه الحقيقي للحضارة الغربية إن صح التعبير ، هذه الحضارة المبهرجة والمزهنقة ليست سوى جنين مشوّه لحضارات أوربية سبقتها حكمت قرونا بسلطات ملكية مطلقة وتحكمت في رقاب الخلائق واستعبدت البشر جميعا ، اجتاحت العالم وعاثت الفساد في أقاصي الشرق والغرب ، وحينما وصل الأوربيون إلى أستراليا لم يتبقى فيها سوى آثار من الشعوب الأصلية ، وتحولوا إلى مادة في مناهج التدريس تدرس على أنهم فلكلور قديم ، الهنود الحمر في أمريكا تم إبادتهم إبادة تامّة ودموية من قبل الأوربيين الذين غزوا أمريكا واستعمروها بعد إبادة السكان الأصليين واستأصلوهم كليا.

لكم أن تقرأوا عن العبودية في أوروبا ، وأن أكثر من 13 مليون شخص جلبوهم من أفريقيا إلى أمريكا واسترقوهم واستعبدوهم وإلى اليوم يمارسون بحقهم صنوف الويل والعذاب والقتل بالخنق وبالنيران الحية، ، لكم أن تقرأوا عن المذابح الملايينية التي تعرض لها المسلمون في الأندلس على يد الحضارة الأوروبية الحديثة ،التي نصبت محاكم التفتيش ونفذت مذابح جماعية بحق المسلمين أطفالا وكبارا ، لكم أن تقرأوا عن الحروب الاستعمارية التي شنتها أوروبا على بلدان العالم في مشارق الأرض ومغاربها ، والملايين من البشر الذين ذبحهم الرومان والبرتغال والإنجليز والفرنسيون والألمان ، في آسيا وأفريقيا وبلدان شرق آسيا في حروبهم الأستعمارية والاحتلالية.

لقد عاثت الحضارة الأوروبية في الأرض فساداً واستعماراً ، وشنت الحروب بالسلاح والحملات العسكرية والحروب الصليبية ، وتسببت بموت مئات الملايين من البشر ، خاض الأوربيون حروبهم بهمجية وبتوحش وبشاعة لا نظير لها في تاريخ الأرض ، بنى الأوربيون نهضتهم الصناعية ومناجم الفحم ومصانع الحديد الصلب على الدماء والدمار والكوارث الكبرى ، أقام الأوربيون حضارتهم على جثث الملايين من البشر ، وأنشأوا على أنقاظ المدن الكبرى التي مسحت عن بكرة أبيها بالأسلحة الفتاكة ، مجتمعات “المدن الفاضلة” ولنقل الخاوية من القيم والأخلاق والإنسانية ، لقد كانت وما زالت الحضارة الغربية الرأسمالية وراء المآسي التي مرت بها البشرية كلها خلال القرنين الماضي والحالي ، ولو نذكر على الأقل الحربين العالميتين الأولى والثانية والملايين الذين قتلوا خلالهما لكفى ذلك ، ولكن سجلات التاريخ مليئة وكافية بأن نعرف أن لا حضارة في أوروبا وإنما عري ومجون وعبودية ومادية مفرطة .

نقلاً عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس